مؤسسة السجناء السياسيين… مدرسة للنزاهة ومعقل لاصحاب الايدي النظيفة

0
3314

رموز الصبر في سجون الطاغية هم رموز الاستقامة في العراق الجديد

تحقيق / احمد رسن …

اصبحت النزاهة معيارا عراقيا متميزا في تقييم عمل المؤسسات الحكومية ، فمنذ ان سقطت الدولة سقوطها الأخير على ايدي رموز النظام الصدامي السابق وحتى اليوم لم يعد أحد يسأل عما تقدمه دوائر الدولة من منجز ، بل السؤال دائما يجري عن مدى تحقق عنصر النزاهة في العمل الحكومي ، فالمؤسسة الحكومية في العراق تدافع عن نفسها امام موجة النهب الرسمي والشخصي لتحافظ على المال العام وتعد ذلك انجازا في غياب الانجازات التي انشئت من اجلها ! وفي مؤسسة السجناء تابعنا ذلك الجهد النوعي والتأسيسي الذي بذلته هذه الأسرة الادارية التي صقلتها تجربة الكفاح ضد النظام الطاغوتي السابق من اجل ترسيخ قيم النزاهة وتنفيذها عبر دوائر واقسام متخصصة ، وقد لا يفقه المتفرجون عن بعد شيئا مهما مما يجري ، ولكن الباحث في هذا الشأن عندما يدخل في اروقتها وبين طاولاتها وملفاتها ويتأمل قسمات اؤلئك الموظفين من رجال ونساء يكتشف ان الجميع يكافحون بشكل يومي من اجل تقديم الخدمة للناس بأفضل شكل ممكن ، وبناء نموذج حديث في الادارة النزيهة ، كنا هناك في تلك الاروقة نتعرف على فوج مقاتل من الرجال والنساء يطارد كل شبح متوقع للفساد او الهدر او التهاون فكان هذا التحقيق المختصر .

النزاهة بين النظرية والتطبيق

منذ اليوم الاول الذي ظهرت فيه الدولة في تأريخ البشرية كمؤسسة كبيرة تدير شؤون الناس وتقنن العيش الجماعي ، ظهر الى الوجود مفهوم النزاهة ، والنزاهة هي ترفع الانسان عن ارتكاب اي عمل يتنافى مع قيمه الاخلاقية ، سواءا كانت تلك القيم نابعة من الدين او من العرف ، او من مدرسة فكرية معينة ، وكانت النزاهة في حياة الفرد مقرونة بالضمير والشعور بالاحترام للذات ، ووجود المثل الاعلى ، وكانت الاديان مصدرا للقيم الاخلاقية ، والاسلام خاتم الاديان ، وفي التنزيل تكرر كثيرا قوله تعالى (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فالايمان يستدعي العمل الصالح والعمل الصالح مقرون بالنزاهة والضمير والاستقامة في الاقوال والافعال تحسبا للمعاد الذي هو اصل في الدين ، وما ارتبط به من وعد ووعيد . ولكن في اعراف الدولة مع الاهتمام بمنظومة الاخلاق يأتي الاهتمام بتطبيق القوانين ، فالقانون في نظام الدولة اجمع على طاعته الحاكم والمحكوم واصبح الفيصل بينهما ، ومثلما تشتمل المنظومة الاخلاقية العرفية او الدينية على الحلال والحرام كمتضادين تشتمل المنظومة القانونية على المسموح والممنوع ، وتعتبر التشريعات الوضعية معايير لتعريف الاثنين ، وهنا يأتي تعريف النزاهة انطلاقا من المعيارين الديني الفردي والقانوني الرسمي ، وفي كلا الحالين تعني النزاهة عدم ارتكاب سلوك ممنوع قانونا او محرم شرعا ، ولكن من الناحية الاصطلاحية اصبحت النزاهة تعني عدم استغلال الموقع الحكومي لمكاسب شخصية او للكسب غير المشروع .

العراق ومستنقع الفساد

شاع الفساد الحكومي في العراق والعالم الاسلامي منذ زمن بعيد ، فكلما ابتعد المسلمون عن عصر الرسالة كانت عناصر الردة الاخلاقية والسياسية تتسع ، وكان موقف الناس من الدولة والولاة خاضعا لاعتبارات الولاء او العداء ، فيستحل البعض اموال الولاة الجائرين ، بينما يرى آخرون ان مال الدولة لكل رعاياها ولا يستباح بظلم الحاكم ، لذلك كان تأريخ الدولة الاسلامية في عهود التمزق السياسي يرافقه تمزق من نوع آخر هو التمزق القيمي ، وشاعت تسمية العالم الثالث التي تعني في بعض وجوهها شيوع الفساد وشرعنته ، وفقدان التشريعات وفوضى القوانين والاضطراب السياسي الذي يمنع ظهور حكومة ثابتة او مؤسسة ذات قوانين ودستور ، وقد سقط العراق في مستنقع الفساد منذ الدولة العثمانية وبعد سقوطها ، واستمر بالتصاعد عبر مايقارب القرن حتى بلغ ذروته في ظل حكم صدام ، فقد كان الفساد في ظل الحكم الصدامي ركيزة من ركائز بقاء السلطة ووسيلة من وسائل تماسك العصابة الحاكمة ، حتى تحول الفساد الى ثقافة اجتماعية وعرف اداري ووسيلة للعيش ، وعندما عاش العراق حصارا دوليا بسبب سياسات النظام السابق استمر عدة سنوات تفشى الفقر والفوضى الاقتصادية ، وانشغلت العصابة الحاكمة في التسعينيات وهي تتنبأ بقرب زوالها بجمع الاموال والتنافس على السرقة والاختلاس ، لذا فقد نشأ في هذه الظروف جيل فاسد من الموظفين ، ملوث الفطرة منحرف الاخلاق معتاد على الفساد ، وقد ادى هذا الواقع الى تطبيع الفساد ومحو النزاهة .

مؤسسة السجناء وامتياز النزاهة

عندما اردنا البحث في مسيرة النزاهة الادارية والمالية في مؤسسة السجناء السياسيين لم يغب عن بالنا ان هذه المؤسسة حظيت باثنين من الامتيازات الخاصة التي جعلتها بعيدة عن اجواء الفساد وتحديات النزاهة ، وجعلتها نظيفة من تلك الامراض الشهيرة التي ابتليت بها الدولة العراقية بعد التغيير وهما :

1- ان مؤسسة السجناء هي من مؤسسات العدالة الانتقالية المسؤولة عن رعاية ضحايا النظام السابق ، ومنحهم هم واسرهم الحقوق المادية والنقدية المنصوص عليها في قانونها ، فهي في نظامها الداخلي تقدم خدماتها للسجناء والمعتقلين والمحجوزين السابقين واقاربهم ، لذا فقد تم انشاء هذه المؤسسة بعد سقوط النظام السابق ، فهي مؤسسة جديدة ليس لديها تجربة سابقة متراكمة من الفساد ورموزه من الموظفين القدامى ، وليس لديها تقاليد ادارية تعتمد على سرقة الاموال بالصيغ المتبعة في الدوائر القديمة .
2- تختلف مؤسسة السجناء عن مؤسسات الدولة الاخرى في طبيعة العاملين الاخلاقية والسلوكية ، فقانون المؤسسة ركز على ضرورة تشغيل السجناء السياسيين في ادارة المؤسسة بكل مديرياتها وفروعها واقسامها الا في الحالات التي تحتاج فيه المؤسسة الى اختصاصات نادرة يتم الاتيان بها من خارج محيط هذه الشريحة ، ومعروف ان شريحة السجناء هي شريحة ممتازة من الناحية الاخلاقية وتمثل طليعة الشعب العراقي المقاوم للطغيان ، ممن نذروا ايام شبابهم لمواجهة النظام السابق فهم مضاد قيمي له ولاخلاقه وسياساته ، ومع ان السجناء هم خليط من الاسلاميين واليساريين واللبراليين والوطنيين الا ان صفة الزهد بالدنيا والترفع عن حطامها كانت صفة جامعة لدى كل السجناء .

البداية من قسم الحسابات

يختص قسم الحسابات في المؤسسة بكل ما يتعلق بتداول الاموال وتخصيصها وتصفية حساباتها الختامية ، وعمليات الانفاق وقواعدها الادارية ، ومن المتوقع عادة ان تقع مثل هذه الاقسام المختصة بالاموال في مشكلة الفساد المالي بكل اشكاله من سرقات واختلاسات وتزوير، الا ان جولتنا في ذلك القسم جعلنا نطلع على تفاصيل دقيقة عن طبيعة عمله ، فوجدنا دقة متناهية في الحسابات ومتابعة حركة الاموال في المؤسسة ، فهناك الرقابة اليومية المستمرة ، والكشوفات المالية المنظمة والتي ترسل عادة الى وزارة المالية . من اهم الشعب العاملة في هذا القسم :

1- الشعبة التي تحظى بأهمية استثنائية في هذا القسم ، وتعالج اكثر فعاليات المؤسسة المالية حساسية واحتمالا للهدر في الاموال ، انها شعبة تحصيل الديون الحكومية ، فهي تراجع وتتابع عملية استرجاع اموال سلمت الى مستحقين زيادة او اشتباها او خلافا للقانون قبل تمييز حالتهم او قبل مراجعة القوانين التي تنطبق عليهم ، فاتضح ان هناك خطأ في هذا الوجه من الاستحقاق لذا اقتضى الأمر استرداد تلك الاموال بطريقة تحتاج الى مراحل عديدة ، اولها توضيح الخطأ ثم تنظيم آلية الاسترداد ، وفتح اضابير خاصة لتنظيم عملية الاسترداد والتصفية ، وقد استطاعت هذه الشعبة منذ بداية هذه السنة 2017 ولغاية الشهر الثامن منها استرداد حوالي 400 مليون دينار اضيفت الى موازنة المؤسسة لانجاز اعمالها كتعويضات للمستحقين ، والمنح الخاصة بالعلاج ، واجور الدراسة للمشمولين بدفع اجور الدراسات الاولية ، وقد تضطر الشعبة الى اتباع اساليب اكثر تعقيدا في اجبار المتهاونين في اعادة الاموال التي بذمتهم ، كحجز اموالهم المنقولة وغير المنقولة وما تتطلبه هذه الاجراءات من تنسيق ومتابعات مطولة مع وزارات ودوائر مختلفة ومصارف .

2- شعبة المخازن : فهي الشعبة المسؤولة عن مطابقة الارصدة المدورة ، وترحيل مستندات الادخال والاخراج المخزني ، وقد قامت هذه الشعبة بمطابقة الارصدة المدورة لعام 2016 مع المخازن وترحيل مستندات الادخال والاخراج لكافة الموجودات الثابتة للفترة من 1 / 1 / 2017 ولغاية 30 / 6 / 2017 ومطابقتها مع السجلات المخزنية ، كما قامت الشعبة بالاحصائيات اللازمة التي تسمى بلغة الادارة (الجرد)او الجرود الدورية ، والجرود المفاجئة ، وتقوم هذه الشعبة عادة بتشكيل اللجان المختصة التي تتابع وتسجل وتقوم بحساب وفرز المواد المستهلكة للسنوات السابقة ، كذلك مسك سجلات الموجودات الداخلة بالذمة ( العائد للمخازن )واجراء القيد العام.

3- شعبة الحسابات الاستثمارية : وتتولى هذه الشعبة صرف المبالغ المستحقة للشركات على هيئة سلف واجبة التسديد، ومن ثم تسويتها ، وتقوم باطلاق امانات بعض الشركات حين انتهاء العمل من المشروع المتعاقد عليه ، وترحيل العمليات المحاسبية الى سجل ( اليومية) وسجل التوحيد، كذلك تقوم الشعبة في نهاية كل شهر بعمل جداول تتضمن ميزان المراجعة وجدول المصروفات ، وجدول الايرادات وتحليل السلف وتحليل الامانات ومن واجبات ومهام هذه الشعبة الاجابة على المخاطبات الرسمية داخل المؤسسة وخارجها .

 

قسم التدقيق والرقابة الداخلية

يرتبط هذا القسم المهم بالسيد رئيس المؤسسة ، وهو من الاقسام التي تحظى باهمية كبيرة لانه صمام الامان لجميع الشؤون المالية ، ويعمل بطريقة التدقيق السابق للصرف ويضم هذا القسم اربع شعب هي :
1- شعبة تدقيق الرواتب.
2- شعبة تدقيق المنح المالية .
3- شعبة تدقيق الموجودات .
4- شعبة الخطة الاستثمارية والعلاج.
تتكون خطة هذا القسم لهذه السنة 2017 من محورين ، يضم المحور الاول تدقيق سندات الصرف للموازنة التشغيلية والاستثمارية لمدة 12 شهرا وبشكل دوري كل شهر ، كذلك تدقيق سندات القيد للموازنتين، وبشكل عام تدقيق كل ما يتعلق بامور الصرف والامور المالية الاخرى. اما المحور الثاني فيتمثل في اجراءات الجرد المفاجىء لامناء الصندوق وزيارة فروع المؤسسة وتدقيق موجودات المؤسسة. وقد قام القسم بتدقيق المعاملات السابقة للصرف ، فتم تدقيق سندات قيد بلغ عددها 382سندا ، وتدقيق سندات الصرف وعددها 1992 سندا لغاية 17 / 10 / 2017 ، ولدى القسم تواصل مستمر مع مكتب المفتش العام وكذلك مع الهيئة العاملة في مقر المؤسسة والمرتبطة بديوان الرقابة المالية.

 

دور مكتب المفتش العام

قام مكتب المفتش العام وبتوجيه من الدكتور حسين السلطاني رئيس المؤسسة ومتابعته الشخصية بدور كبير في مكافحة الفساد الاداري والمالي ، وتقويم عمل المؤسسة وتطويره وذلك بأشراف مباشر من المفتش العام السيد حيدر كعيم ، من خلال الجهود التي تبينها الارقام الآتية الخاصة بسنة 2016 فقط :
– شكل المكتب لجانا تحقيقية منها مدورة من عام 2015 وعددها37 لجنة ومنها لجان شكلت عام 2016 وعددها 67 لجنة ، ليبلغ العدد الكلي104
– في مجال عدد الاخبارات الواردة الى قسم التحقيقات فقد بلغ عددها 54 اخبارا ومنها24 اخبارا وردت الى فرع الفرات الاوسط.
– بلغ عدد الشكاوى الورادة الى قسم التفتيش في المكتب 259 شكوى فيما بلغ عدد الشكاوى المقدمة الى فرع الفرات الاوسط 43 ، اما شكاوى شعبة المنطقة الشمالية فقد بلغت 78 شكوى .
– وبلغ مقدار الاموال الموصى باسترجاعها 3,973,149,969 فيما بلغت قيمة المبالغ المستردة بالفعل 464,242,388 .
– وقد منع قسم التفتيش هدر المال العام،فقد بلغ فرق في ذرعة امر غيار رقم 2 لمجمع الاحرار السكني في محافظة ميسان29,977,280 وكذلك فرق ذرعة واقع الحال لمجمع الاحرار السكني في محافظة البصرة 198,879,090
– بلغ عدد المعاملات المالية المدققة من قبل قسم الرقابة والتدقيق134معاملة وفي مجال المعاملات الادارية فقد عدد العلاوات والترفيعات المدققة لموظفي المؤسسة 54 كما تم تدقيق عينات من اضابير موظفي العقود بواقع 13اضبارة، بالاضافة الى تدقيق29منحة من منح العلاج التعويضية.
– قام المكتب بزيارت تفتيشية الى دوائر ومديريات المؤسسة عددها 45 و 10 زيارات اخرى الى مشاريع المؤسسة .
– بلغ عدد بيانات الراي الرقابية6 بيانات وبيانات الراي القانونية 24 بيان راي .
– في اطار تقويم الاداء قام المكتب ب ( 19 ) زيارة تقويم .
– في مجال سعي المكتب لتطوير الاداء الوظيفي نظم المكتب عدة دورات منها 27 دورة لموظفي المكتب شارك فيها 45 موظفا ، كما اقام المكتب 4 ورش عمل ، و4 دورات تأهيل وتدريب وتحديث شارك فيها 629 موظفا ، فيما شارك 28 موظفا آخرين في ورشات عمل تخصصية مختلفة .

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here