مفهوم التسامح في ثقافة السجين السياسي، يوسف النبي انموذجا

0
2750

أحمد رسن …
التعريف القانوني الحالي للسجين السياسي في العراق الوارد في قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم (35) لسنة ( 2013) المعدل الذي ينص على ” من حبس او سجن داخل العراق او خارجه وفق حكم صادر عن محكمة بسبب معارضته للنظام البائد في الرأي أو المعتقـد أو الانتماء السياسي او مســـاعـدة معارضيه ويعد الاطفال والقاصرون الذين ولدوا في السجن او احتجزوا مع او بسبب ذويهــــم المسجونين بحكم السجين السياسي” ( مقتبس من المعايير والادبيات الدولية التي ترى ان السجين السياسي هو من سجن بسبب موقفه المعارض او رأيه الحر او معتقده المختلف.
ولهذا السبب الاخير تحديدا وجد النبي يوسف على نبينا وعليه السلام نفسه في السجن، نعم لقد وجد نفسه في السجن بسبب ضميره الحي الذي عصمه ومنعه من الوقوع في منزلق الخيانة والانحطاط وليس بسبب جريمة ارتكبها كما هو حال السجناء المجرمين، (فاستعصم) الآية (32) سورة يوسف رافضا اوامر امرأة عزيز مصر التي قررت معاقبته على اخلاقه (ولان لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين) الآية (32) سورة يوسف. ولكن النبي يوسف السجين السياسي لم يهن ولم يحزن بل ازداد تعمقا في ايمانه وتمسكا بقيمه متحليا بالصبر الجميل ومصابرا السجناء الاخرين محاولا التأثير في افكارهم وسلوكهم وشخصياتهم (يا صاحبي السجن أارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار) الآية (39) سورة يوسف وهذا هو حجر الزاوية في ثقافة السجين السياسي صاحب المبدأ والضمير والرأي والموقف، لذلك فعامل الزمن (داخل السجن) ليس عبئا على السجين السياسي بل هو عامل تطوير وانماء وديمومة وهذا هو سر المواقف المتزنة والمدروسة التي تميز شخصية السجين السياسي.
لذلك فعندما ارسل الملك الى السجين السياسي النبي يوسف عارضا عليه اطلاق سراحه واستثمار مواهبه في مواجهة ازمة اقتصادية خطيرة بدت ملامحها في الافق، انتفض النبي يوسف السجين السياسي (من خلف القضبان) قائلاً لرسول الملك: (ارجع الى ربك فأسأله مابال النسوة اللاتي قطعن ايديهن..) الآية (50) سورة يوسف وهذا هو البعد الثاني في ثقافة السجين السياسي بُعد المطالبة باعتراف واعتذار الآخر الذي سجنه كي يسترد كرامته المهدورة ويطمئن الناس الى براءته الاكيدة، وبعد اعتراف الاخر واعلان براءة النبي يوسف، نجده ينبري ليجسد البعد الثالث في ثقافته الا وهو التصدي للمسؤولية وقيادة الحياة في مفصل من اهم مفاصلها (قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) الآية (55) سورة يوسف ويوافق الملك، فيتولى النبي يوسف السجين السياسي السابق اهم المسؤوليات الاقتصادية في ذلك الزمان فيظهر تسامحه وعدله وكفاءته دون ابداء اية رد فعل سلبية يمكن ان تسيء الى قيمه التي سجن بسببها وهذا هو مفهوم التسامح في ثقافة السجين السياسي، التسامح المبني على اعتراف الاخر واعتذاره وندمه وتعويض السجين السياسي ماديا ومعنويا لاحداث التوازن المفقود في عملية البناء الوطني، اذ ماكان للنبي يوسف ان يظهر تسامحه لولا الاستجابة لمستلزمات ذلك التسامح.
ان مثال سياسة ذلك الملك الحكيم في ذلك الزمان القديم مع النبي يوسف السجين السياسي يعد مثالا مثاليا لتعامل الدولة في اي زمان ومكان مع السجين السياسي وكيفية الاستفادة من مواهبه وخبراته.
ولكوننا نعيش في ظل الدولة الديمقراطية التي كانت قد احتلت المقام الاول في ادبيات السجين السياسي والتي قدم زهرة شبابه على قارعة طريق امكانية قيامها، ارى من الضروري ان تتمثل الحكومة العراقية ( دون انكار لما قدمت الى السجين السياسي ) بكل تفاصيل ذلك المثال (مثال سياسة الملك) في سبيل معالجة قضية المواطنين العراقيين المشمولين بقانون مؤسسة السجناء السياسيين الذي شرعه البرلمان المنتخب، ولن يكون ذلك ممكنا الا بالتنفيذ الفوري والشامل لكل مواد وفقرات قانون المؤسسة المشار اليه وحسب التفسيرات التي تراها دوائر المؤسسة منسجمة ومتطابقة مع نص وروح هذا القانون الذي يمثل الحد الادنى للطموح، وهذا هو السبيل الذي لا ثاني معه للوصول الى بر وشاطئ تسامح السجين السياسي العراقي وانسجامه مع مجتمعه ووطنه ودولته.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here