الطائفية وازدواجية الانتماء

0
2930

حكمت البخاتي ..
الملاحظة التي يؤشرها د. علي الوردي حول ازدواجية الشخصية العراقية هل كانت قارة هذه الازدواجية وتحكي تاريخية الشخصية العراقية أم انها جاءت في أعقاب ازدواج وتراكم قواعد المعرفة التي تأسست في أعقاب تكوين الدولة العراقية فقد طرا تغير هام على قواعد المعرفة القديمة قبل الدولة الحديثة وأضيفت اليها قواعد جديدة وحديثة في المعرفة واذا أدركنا أن السلوك بشقه السياسي والاجتماعي يتأسس وفق القواعد أي قواعد المعرفة ادركنا ازدواجية السلوك العراقي الذي تأسس في شقه قبل الدولة على القواعد القبلية وتأسس في شقه بعد الدولة على القواعد المدنية لا سيما في ظل تنامي الحركة العلمية والأكاديمية التي أعقبت انشاء الدولة الحديثة في العراق بعد الحرب العالمية الأولى أو قبلها بقليل ولم يتحرك عنصر الازاحة في المجتمع العراقي لكل ما هو قديم بل اعتمد عنصر الدمج بين ما هو قديم وما هو حديث لصالح الرغبات والتصورات والمصالح الفئوية والمناطقية بل وحتى الطائفية فاتخمت الحداثة بكل ما هو قديم فارتهنت الدولة الحديثة لصالح فئات مناطقية ودينية ومذهبية محددة واقصيت فئات أخرى ووفق المنطق القديم للدولة القديمة في آهاب الدولة الحديثة وهو أقصى انحدارات الازدواجية وقد ظلت تلك الثيمة فاعلة ومؤسسة في منطق كل الأنظمة السياسية التي توالت على الدولة العراقية فهي تخضع الى الانتماءات القديمة وتجمع اليها أفكار وشعارات الدولة الحديثة فازدوجت الشخصية العراقية في سلوكها القبلي – الاولي والقديم وسلوكها المدني – الثانوي والحديث الذي نما وتحرك في أعقاب تأسيس الدولة الحديثة في العراق .
ورغم أن الملاحظة التاريخية تشير الى هذا النوع من السلوك المزدوج في الشخصية العراقية فهي تجمع الايمان بالمبدأ والنقض له وتجمع الحب للحاكم ثم الكراهية له وتجمع الإخلاص للموقف ثم النكوص عنه او الانقلاب عليه وهي تقدس زعماءها ثم تعمد الى قتلهم وتنتقد النافذين والقادة ثم تتأسف عليهم وتكشف اسطورة تموز عن هذه الازدواجية في شخصية عشتار التي أحبت تموز ثم ألقت به في مهاوي العالم السفلي ثم عادت تنقذه وتحبه من جديد ، وتحكي الاساطير العراقية القديمة عن الذم للآلهة والمديح لها عن الرغبة فيها والاحتجاج عليها ، انه مزاج حاد ومتقلب في حدته وحاد في انقلابه ، حتى تبدو الحالة الازدواجية للشخصية العراقية للمتفحص التاريخي والمراقب الاجتماعي انها ازدواجية قارة وثابتة تاريخيا وشخصيا .
لكن طبيعة الحدث السياسي في العراق وفي ناريخية تكاد ان تكون قارة وثابتة يتصف بارتباك التحولات فيه وارباكه العام لخارطة الدولة والمجتمع بآن واحد وتكون انقلاباته الشكلية والتضمينية حادة ومؤثرة ولذلك نشهد كل هذا المحو لمعالم تاريخ العراق وتغييب صوره التاريخية وشواهده الثقافية والحضارية مع كل انقلاب سياسي وتغيير في نظام الحكم وما يميز الحدث السياسي العراقي في كل تاريخ العراق هو سرعة التحولات وديناميكية التغيرات المستمرة والتي لا يستمر العمر السياسي فيها طويلا فعلى مدى نصف قرن منذ انقلاب الرابع عشر من تموز من العام 1958م تكونت ست حكومات او بالأحرى ستة أنظمة سياسية أي ما يقارب عشر سنوات هو عمر كل نظام سياسي في العراق منذ سقوط النظام الملكي الذي لم يكن بدوره مستقرا سياسيا وتاريخيا والسمة القارة في كل هذه الأنظمة وهي تعكس طبيعة وصيغة الشخصية العراقية انها تعمد الى إزالة وإلغاء كل ما يمت بصلة الى النظام السابق – المباد دائما بالقوة وبطريقة الانقلابات العسكرية مما يقتضي استئناف حركة التاريخ السياسي العراقي من جديد وتبدأ البناءات الآنية وغير المدروسة وغير المخطط لها مسبقا بالعمل من جديد على ادخال العراق دولة ومجتمعا في طريق مجهول وباتجاه غايات غير محددة ومعينة أو أهداف شعاراتية لا تتصل بإمكانات التاريخ والمجتمع مما يحيل السياسة وإدارة الدولة الى الرغبات والامزجة والاهواء المتطرفة والخطط غير الناضجة التي تسير بها الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد مما يؤثر في إمكانية اكتمال النضج في الشخصية العراقية ويعزز من ازدواجيتها في ظل التغيرات الطارئة على مواقفها السياسية مع كل تغيير سياسي في شكل ومضمون نظام الحكم الصاعد جديدا ووسائل الاكراه التي تتبعها نلك الأنظمة الطارئة في ضمان التأييد الذي يجب ان تحظى به من جانب المواطنين العراقيين .
فالشخصية الاجتماعية والوطنية هي صياغة وصناعة الخطط والبرامج في الدولة الحديثة وبالقدر الذي تنمو فيه وتنضج تلك الخطط والبرامج تنضج هذه الشخصية الحديثة في سلوك واضح وظاهر وغير خاضع للإخفاء والقسر او التبديل والتغيير وهي سمات الشخصية المزدوجة في المواقف والرؤى وإنتاج السلوك المزدوج والمرتهن أو المضطرب بين قواعد المعرفة ما قبل الدولة وقواعد المعرفة ما بعد تأسيس الدولة وفي ظل ذلك الارتهان بين هذه القواعد المتناقضة وتلك الازدواجية في التعامل مع هذه القواعد المتعاكسة نشأت الطائفية كحالة مزدوجة في الانتماء الى الدولة من جانب والمذهب – الطائفة من جانب أخر .

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here