صالح الطائي …
لطالما رددنا أن الإسلام يقود الحياة، ولطالما تضمنت دساتير بلداننا ما يوحي بأن نظام الحكم يلتزم بأحكام شريعة الإسلام، لكنك ما إن تأتي إلى ما قاله الأوائل في تفسيرهم لآيات القرآن وحديثهم عن خرافة الناسخ والمنسوخ حتى تصاب بصدمة وحيرة لا يخرجك منها إلا أحد امرين: إما أن تسكت على مضض ولا تعترض، بل لا تسأل عن شيء يوقعك بمثل هذه الورطة، مهما كان هذا الشيء أسطوريا، وإما ان تكذب كل ما قالوه، وتؤمن أن دور الإسلام في قيادة الحياة قد انتهى بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله)، وللأسف كلا الأمرين مر، وتتبدى المرارة واضحة الأمثلة البسيطة، من ذلك قول المرحوم عبد الرحمن السعدي في تفسير قوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم}: “في هذه الآية، دليل على أن من امتنع من أداء الصلاة أو الزكاة، فإنه يقاتل حتى يؤديهما، كما استدل بذلك أبو بكر الصديق”(*).
ومعنى هذا أنه يجب قتل كل من لا يصلي، وكل من لا يدفع الزكاة من المسلمين المعاصرين! وأعتقد أنه لو طبق هذا الحكم في عصرنا الحاضر؛ باعتبار أنه قانون إسلامي واجب التنفيذ، طبقه الأوائل، وأعتمده الخليفة أبو بكر الصديق (رض) في قتال مانعي الزكاة، استنادا إلى الآية الكريمة أعلاه وأمثالها، حيث حرمت هذه الآية قتالهم بشرط هذه الأفعال، وهي الدخول في الإسلام، والقيام بأداء واجباته. ونبه بأعلاها على أدناها، فإن أشرف الأركان بعد الشهادة الصلاة؛ التي هي حق الله عز وجل، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحتاجين، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين؛ ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة، وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر(رض) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة”. وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: “أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له”. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة، وقال: يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه”(**)، أقول: لو تم تطبيق هذا الحكم لوجب قتل سبعين وربما ثمانين أو تسعين بالمائة من المسلمين ممن لا يصلون ولا يزكون، عسى أن تتمكن العشرة بالمائة المتبقية من شعوبنا من تطبيق شرع الله مثلما أراده الأقدمون لا مثل ما أراده الله ورسوله!.
معنى هذا بدون ريب أن ما قامت به داعش من جرائم يندى لها جبين الإنسانية ليس غريبا عن الإسلام المصطنع الذي خلقه التحريف والتبديل، وسوقه على أنه إسلام السماء، فالذي يؤمن أن قتل من لا يصلي أو لا يزكي من جماعة المسلمين جائز شرعا ويثاب المرء على فعله والإتيان به، يكون أكثر اندفاعا ضد من يختلف معه بالمذهب أو الرأي أو المعتقد أو الدين، وهذا ما رأيناه وعايشناه منذ أن ولدت القاعدة وورثتها داعش، فكل ما تعتمد عليه هاتان المنظمتان الإرهابيتان هو ما موجود في بطون كتب الحديث والتفسير والناسخ والمنسوخ، وتراثنا مثلما تعرفون مترع بمثل هذه الأباطيل المخزية التي ولدتها أسطرة الرموز على حساب العقيدة.
فمن الملام يا ترى؟ الذين الذي انضوى موروثه على تلك القصص، الخلفاء الذين اجتهدوا بأن فعلهم الدموي صواب، التاريخ الذي نقل لنا تلك القصص المرعبة، الحاكم المعاصر الذي يرفض تطبيق هذا الحكم، رجل الدين الذي لا يحث الحكام على تطبيقه، المسلمون أنفسهم لأنهم لم يطبقوا شرع الله بأنفسهم بعد أن رفض الحاكم ورجل الدين تطبيقه؟
الهوامش
(*) السعدي، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله (ت: 1376هـ)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1420هـ -2000م. ج3/ص636.
(**)ـ ابن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي،(ت:774هـ)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي محمد السلامة، دار طيبة، السعودية، 1422هـ ـ 2002م. ج4/ص111.
Post Views: 2٬614