عبد الحليم الرهيمي ..
بحرص كبير ومسؤولية وطنية عالية بادرت تنسيقيات التظاهرات الاحتجاجية الغاضبة للبصريين إلى الاعلان، يوم الجمعة الفائت (6 / 9) عن تعليق التظاهرات لأيام عدة ريثما يستتب الوضع الأمني ويتوقف مسلسل الحرائق الرهيب الذي فوجئ الجميع باندلاعه، وكذلك لكشف الجهات التي تقف وراءه. وقد استؤنف فعلاً انطلاق التظاهرات بعد يومين من تاريخ تعليقه (الاثنين10 / 9) بعد ان توقفت الحرائق وتحقق قدر من الامن، لكن الأمر الاهم ، اضافة لذلك، الذي دعا الى انهاء تعلق التظاهرات هو اجتماع نحو ثلثي عدد البرلمانيين لمناقشة الوضع المتردي في البصرة وايجاد الحلول العملية لمعالجته.
فتحول هذا الاجتماع الى مناكفات شديدة وعمليات تسقيط واتهامات متبادلة وتسعير الصراعات السياسية المحتدمة أصلاً دون ان يسفر ذلك الاجتماع عن نتائج ملموسة لاوضاع البصرة ومطالب حركة الاحتجاجات الغاضبة لمواطنيها .
لقد اوضح بيان اللجنة التنسيقية لتعليق التظاهرات التعبير عن شكوكها بأن ثمة جهات عدة من خارج حركة الاحتجاجات ارادت اقحامها في الصراعات السياسية وتشويه سمعة المتظاهرين وصولاً الى دفعها للتوقف من استمرارها خشية ان يكشف ذلك تالياً، مسؤولية الفاسدين من المسؤولين عن ادارة مجلس المحافظة وفي السلطة الاتحادية ببغداد من المتواطئين معهم .
وقبل ان تتبدد شكوك اللجنة التنسيقية باتهام جهات خارجة عن التظاهرات والمتظاهرين اطلق رئيس الوزراء العبادي مفاجئة (متوقعة) في المؤتمر الصحفي الذي عقده في البصرة الاثنين الماضي (10/9) نقول بأن (كتلاً سياسية لها اجنحة عسكرية هي التي تقف وراء اعمال الشغب ، ولا اقول المندسين ، التي حدثت في البصرة) هذا التقرير الاولي لمن يقف وراء احداث الشغب والحرائق في البصرة واعلان رئيس الحكومة عن احالة ملفها الى القضاء للتحقيق بشأنها اكدت ما ذهبت اليه ابتداء ، اللجنة التنسيقية بالتعبير عن شكوكها الأولية بالجهات التي تقف وراء تلك الاحداث والحرائق .
لذلك ، فان تداعيات حركة الاحتجاجات والتظاهرات السلمية المحقة والمشروعة التي اندلعت مؤخراً في البصرة بدءاً من 8 تموز الماضي ، ومحاولات اختراقها والاساءة اليها وايقافها بافتعال الحرائق والاعتداءات على المؤسسات الرسمية والخاصة ، انما تتطلب من الجميع اي من تنسيقية التظاهرات ومن الادارة المحلية في البصرة والسلطة الاتحادية في بغداد وقفات تأمل جادة وفهم معمق لما جرى وسيجري في البصرة واستنباط الدروس المهمة لايجاد الحلول العملية لها ، وللمشاكل والتظاهرات في عدد من محافظات الوسط والجنوب ، المثنى ، الناصرية ، الكوت ، بابل ، النجف ، كربلاء .. وغيرها قبل ان تتسع وتتخذ مسارات تصعيدية يستفيد منها الخارجون عنها في الاساءة اليها وتوظيفها في الصراعات السياسية المحتدمة .
ان اولى وقفات التأمل للجان التنسيقية هي تحديد الشعارات والهتافات الواقعية التي يمكن السعي لتحقيقها ومن ثم تشكيل وفد مفاوض مع الجهات المعنية للحوار بشأنها ، وذلك فضلاً عن ضبط مسار وسلوك المتظاهرين خاصة الفتية والمراهقين منهم. ان رفع هدف محاسبة الفاسدين من ادارات المحافظة منذ 2003 حتى الان الذي رفعه المتظاهرون بعد استئناف تظاهراتهم هو الهدف او الشعار الذي ينبغي ويمكن السعي لتحقيقه بالالحاح على الجهات الاتحادية المعنية الرقابية والأمنية وهيئات النزاهة .
اما الادارة المحلية للبصرة والحكومة الاتحادية في بغداد فأن وقفة التأمل المطلوبة هي الاستجابة السريعة لكل ما يمكن تحقيقه ومصارحة المحتجين والمواطنين بالمصاعب والمعرقلات ان وجدت والكف عن اطلاق الوعود التي لا يمكن تحقيقها ،بذريعة تهدئة الاوضاع للامتصاص غير المجدي والمؤقت لغضب المتظاهرين . هذا اضافة الى الحذر كل الحذر من استخدام القوة (المفرطة وغير المفرطة) ، ضد المتظاهرين واستخدام لغة الحوار والاقناع والنفس الطويل لساعات وايام دون اطلاق رصاصة واحدة ضدهم: فالدم – كما يقال – يستسقي الدم وهذا ما لا يريده المحتجون انفسهم، وهو ما لا تريده او تفعله ايضاً السلطات السياسية والأمنية ، كما يفترض وكما يتمنى الجميع، وهذا ما ينبغي ان يسفر عن وقفات التأمل للمعنيين بما يجري في البصرة وغيرها من المحافظات.
Post Views: 2٬875