كفى تبجحاً وادعاءً وتزويراً للحقائق

0
1821

فاضل ثامر ….
كان صباح الجمعة 10 أيار 2019 يوماً تاريخياً بحقّ في حياة الأدباء والمثقفين العراقيين، عندما انعقد اجتماع المجلس المركزي في مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بأعضائه الثلاثين الذين منحتهم الهيأة العامة للاتحاد ثقتهم، ليختار قيادته متمثلةً برئيس الاتحاد وأمينه العام وبقية الأعضاء في المكتب التنفيذي، وليقطع بذلك الطريق على حلقة من حلقات أخطر مؤامرة كانت تحاك في السرّ والعلانية لإعادة تأهيل وتلميع بقايا أيتام البعث الإجرامي من مرتزقة المقبور صدام حسين وصبيان المجنون عدي صدام حسين، وإعادتهم إلى قيادة اتحاد الأدباء تمهيداً لإقناع واشنطن، التي احتضنت أكثر من مرة قيادات بعثية معروفة، لإعطاء الضوء الأخضر لجلادي البعث بتسلم السلطة ثانيةً للوقوف ضد انفلات الشعب العراقي من ربقة الدكتاتورية، وكسره حاجز الخوف، واختياره الحرّ للنظام السياسي الذي يريد. لقد كانت خطة من أيتام البعث واضحة من خلال التلويح لأميركا: نحن حاضرون هنا في الساحة وقادرون على كبح جماح الشعب العراقي ثانيةً، وتحقيق أهدافكم كاملةً ونكون جزءاً من تحالفكم ضد إيران واليمن وحزب الله، ونضع بترول العراق تحت تصرفكم.
لقد شعرت إدارة ترامب بالعجز من إمكانية إعادة الحصان العراقي الجامح إلى حظيرته، وراحت تبحث عن القوى القادرة على تنفيذ هذه المهمة نيابةً عنها بأن أحست بهزال الكثير من القوى الأخرى، وطبعاً من خلال دعم مباشر لها (الانموذج الأمريكي للتدخل في فنزويلا صورة واضحة). وهنا انبرت بعض القيادات البعثية المقيمة في سوريا والأردن ولبنان بعرض خدماتها على الإدارة الأميركية التي كانت بحاجة إلى أدلة كافية على حضور البعثيين في الساحة العراقية وقدرتهم على ضبط الشارع العراقي والهيمنة عليه. ويمكن هنا أن نستشهد بموقف مماثل من تاريخنا القريب. فعندما بدأ الإعداد لطبخة انقلاب السابع عشر من تموز عام 1968 من قبل النايف والداود، وبعض الضباط المؤتمنين من السفارة الأميركية، بادر البعثيون بعرض خدماتهم على السفارة الأميركية في بيروت، التي طلبت دليلاً ملموساً لقوتهم في الشارع العراقي قبل إعطاء الضوء الأخضر لهم، وفعلاً نظم البعثيون آنذاك، في ظل نظام عبد الرحمن عارف الضعيف، مظاهرة هزيلة ومحدودة، لكنها كانت كافية بالنسبة لأميركا بالموافقة على إشراكهم في الطبخة، وفعلاً فقد ألزمت أميركا، قيادة الانقلاب آنذاك بإشراك البعثيين، رغم مخاوف تلك القيادة، وتوجسها من إشراك البعثيين آنذاك، ومن هذه البوابة دخل البعثيون طرفاً فيما سمي بالسابع عشر من تموز 1968، الذي انقلب فيه البعثيون على حلفائهم الأساسيين في الثلاثين من تموز 1968، وأعلنوا هيمنتهم الكاملة والحصرية – كما هي عادتهم دائما – على السلطة السياسية حيث بدأت أسوأ مرحلة من مراحل الاضطهاد والقمع للنظام الشمولي الفردي الذي تربع على عرشه الدكتاتور صدام حسين الذي قاد البلاد إلى سلسلة مروعة من الويلات والحروب والمآسي التي انتهت بالاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
ويبدو أن السيناريو ذاته، يراد له أن يتكرر ثانية، حيث يحاول أيتام البعث إعطاء إشارات مختلفة للإدارة الأميركية بقدراتهم الميدانية في الساحة العراقية، ومنها محاولة السيطرة تدريجياً على الاتحادات والمنظمات الثقافية والمهنية، من خلال إعادة تعبئة الكوادر التي سبق لنظام البعث وأن أعدّها جيداً طيلة أكثر من ثلاثة عقود، وفسح المجال لها للهيمنة من خلال شعارات براقة ومعسولة. ولا تنفصل عن ذلك بعض الاستعراضات المشبوهة في الأنبار وديالى التي تجمع فيها بعض صبيان البعث لتمجيد وتلميع نظام المقابر الجماعية والقتل الجماعي وانتهاك حقوق الإنسان.
وما جرى في الساحة الأدبية والصحفية والفنية ليس بعيداً عن هذا المخطط المشبوه. إذ انبرى البعض للادعاء بأنهم سيصنعون جنة عدن للأدباء إذا ما تم اختيارهم لرئاسة اتحاد الأدباء.
واقترنت هذه الحملة بمحاولة مكشوفة لتجميل صورة النظام الدكتاتوري المقبور، والادعاء بأن الحياة الداخلية لاتحاد الأدباء في ظل النظام الاستبدادي، هي حياة ديمقراطية متكاملة، وبشكل خاص من خلال النماذج الدكتاتورية التي خلفها المجنون عدي صدام حسين الذي كان يتعامل بالأحذية مع جميع المثقفين العراقيين، لكن البعض صوَّره بوصفه المنقذ والرمز لصناعة ثقافة عراقية منفتحة، ونسي هذا البعض أن اتحاد الأدباء قد تحوّل، وخاصة منذ هيمنة صدام حسين على السلطة وانفراده بها عام 1979، إلى أداة للقمع والهيمنة وتبرير سياسة الدكتاتورية التعسفية. إذ لا يسمح لأي أديب خارج مظلة نظام البعث المقبور بالترشح إلى مركز قيادي في اتحاد الأدباء، كما أن جميع المراكز والمسؤوليات الأدبية والثقافية والصحفية كانت تخضع وبصرامة لآلية (التأطير) و(التبعيث) سيئة الصيت.
ونقول اليوم إنّ أدباء العراق، ومن خلال صناديق الاقتراع قد أفشلوا مخطط أيتام البعث ومرتزقته، للعودة ثانية إلى قيادة هذا الاتحاد العريق الذي حافظ على استقلاليته ومهنيته وديمقراطيته، وانه لمن العار أن يمرّ البعثيون من خلال اختراق هذا السدّ الثقافي المتين، ونُذكّر الجميع بأن حلم عودة البعثيين إلى قيادة اتحاد الأدباء، تمهيداً للعودة إلى حكم العراق هو حلم إبليس بالجنة.
ونقولها بصوت عالٍ: لن يمرّوا.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here