العقم الاجتماعي والسياسي في حياتنا

0
2097

حكمت البخاتي…
بدأت نهضة أوربا في القرن الثالث عشر الميلادي واستمرت حتى القرن السابع عشر الميلادي لتبدأ بعدها حركة الحداثة والتنوير في القرن الثامن عشر الميلادي ، ويكاد يجمع المؤرخون والباحثون على أسباب النهضة في عدد من العوامل أهمها الحركة التجارية وانتعاش هذه الحركة لا سيما في المدن الإيطالية الساحلية والتجارية وما فسحته من امكانية الاتصال بالحضارة العربية الاسلامية ونمو حركة الترجمة للكتب العلمية والفلسفية الاغريقية من العربية الى اللغة اللاتينية وحتى الى اللغات المحلية والشعبية في أوربا التي شهدت ازدهارا مهما لها في هذا العصر مما فسح امكانية القراءة امام الفرد الأوربي بعد ان كانت حكرا على مؤسسات السلطة الدينية والسياسية باعتبار المعرفة مقوما وسببا في السلطة.
وصادف مع هذا التحول التاريخي المهم سقوط القسطنطينية على يد الدولة العثمانية في العام 1453م وتسبب في هجرة العلماء والمثقفين الأوربيين من هذه المدينة الى ايطاليا ونقلوا معهم عددا كبيرا ومهما من الكتب والمخطوطات والتي شهدت اهتماما تجاريا كبيرا بها فقد ظهر نوع جديد من التجارة غير مألوف في السابق وهو تجارة الكتب والمخطوطات وكانت البلاد العربية الواقعة على شريط البحر المتوسط قبلة هذه التجارة وأسواقها التي عرفتها أوربا اخيرا.
وهكذا نجد عوامل النهضة تكمن في المعرفة والكتاب بل لم تنشأ حضارة في تاريخ البشرية بمعزل عن المعرفة والكتاب فالحضارة والتطور والتقدم حصرا هي وليدة المعرفة والكتاب، وكان الكتاب الأول هو الرقيم الطيني الرافديني – السومري القديم الذي يعود الى منتصف الالف الرابع قبل الميلاد في جنوب العراق، والذي كان بداية الحضارة في تاريخ الانسان وهو ما دعا المؤرخ والآثاري الشهير كريمر الى القول ” بدأ التاريخ من سومر ” ، وعودا على بدء فالعامل الرئيس والسبب الحتم في نهضة أوربا الحديثة إضافة الى ما تقدم من أراء المؤرخين والباحثين هو ظهور الطباعة الحديثة في ألمانيا وعلى يد مخترعها الشهير هوتنبرغ في العام 1448م التي تمكنت من وضع الكتاب والمعرفة بمتناول الانسان الأوربي وبأعداد بلغت الآلاف مما زاد من معدلات القارئ الأوربي وفق إحصاءات تاريخية موثوقة حتى تحول الكتاب الى ظاهرة ثقافية واجتماعية مألوفة في أوربا وعلى مدى خمسة قرون ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي وحتى القرن الواحد والعشرين المعاصر،
والخلاصة أننا نفسر ذلك العقم السياسي والاجتماعي والحضاري الذي يعيشه بلدنا وكل البلاد العربية ويتسبب في إلغاء أنظمتنا و دولنا وانهيار مؤسساتنا السياسية والاجتماعية هو اعتقال أنفسنا عن القراءة ونبذ الكتاب عن المتن الاجتماعي والسياسي الى الهامش المنسي او الملغى في حياتنا .

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here