عبد الامير المجر …
في العام 1990 وبعد ان تلاحقت وبسرعة كبيرة، القرارات الدولية ضد العراق على خلفية اجتياح الجيش العراقي الكويت، واضطرار العراقيين، بعد اقل من شهر، على أكل الخبز الاسود، نتيجة لفرض العقوبات الاقتصادية الشاملة.
تساءل مواطن عراقي بسيط، قائلا؛ اذا كانت الامم المتحدة تمتلك كل هذه القدرة على تطويق الازمات وحشد الجيوش لتنفيذ قراراتها، فلماذا ظلت، لمدة ثماني سنوات، تتفرج على حرائق الحرب العراقية الايرانية، من دون ان تتدخل بشكل جاد لإطفائها؟ .. قد يبدو هذا الطرح ساذجا، عندما يُقرأ سياسيا، لكنه لايخلو من محاكمة اخلاقية، وان بدت بريئة، لتلك القرارات، لاسيما انها، في الغالب، سوّقت اخلاقيا لاسياسيا، على الرغم من ان الشعب العراقي وحده، دفع استحقاقاتها الثقيلة، وبات وضعه، في ظل استمرار الحصار، حتى بعد انتهاء حرب العام 1991 التي دمرت بنيته التحتية، خلافا لقرارات مجلس الامن نفسه! صعبا للغاية، ويفرض على المجتمع الدولي، موقفا اخلاقيا مماثلا، لانتشاله، ولو على مستوى احتياجاته الانسانية الاساسية، لكن شيئا من هذا لم يحصل، واستمر الحصار نحو ثلاثة عشر عاما، انهرست خلالها عظام الناس وجفت دماؤهم في عروقها، وصولا الى الاحتلال في العام 2003 الذي ثبت، فيما بعد، ان لاصحة لمبرراته السياسية، ونقصد، حكاية اسلحة الدمار الشامل … ذاكرة العراقيين استدعت ايضا المنظمة الدولية وغيابها المستمر، او حضورها السلبي، بعد ان بات العراق مسلخا كبيرا للبشر، خلال عامي 2006 و2007 كنتيجة لتداعيات الغزو والاحتلال الذي وقفت قوى دولية مهمة ضده، من دون جدوى، لأن الأقوى بينها قررت ذلك، ونفذت ما ارادت.
وتأكدت مقولة الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، بان باب جهنم سيفتح اذا ما تم احتلال العراق. وتبين ان جهنم، خطط لها مسبقا، ان تمتد وتحرق اكثر من بلد عربي، وتحت غطاء اخلاقي جديد، اختير له مسمّى باذخ (الربيع العربي)! وكالعادة، وضعت الاخلاق والحديث فيها وعنها جانبا، فالمصالح والجشع هما الارضيّة التي تنطلق منها السياسة والجيوش معا!
اليوم، يتساءل الكثيرون من العراقيين، عن دور الامم المتحدة، بعد مرور اكثر من شهرين ونصف على الاحتجاجات في العراق، التي راح ضحيتها الالاف بين شهيد وجريح، اذ ظل الموقف الدولي مائعا وخجولا، وكأنّ القوى الماسكة في القرار الدولي، تريد ان يتصاعد الموقف وتنتظر انفلات الامور، لينتهي الامر بالعراق الى ساحة حرب بالانابة عن اطراف متصارعة على العراق وفي العراق، وهو امر لم يعد الحديث به همسا، بل صار يجهر به الكثيرون، ممن يقرؤون المستقبل ويحذرون مما سيأتي به.
وان على المجتمع الدولي ان يساعد العراقيين، بصدق وقوة، على الخروج من المأزق الآخذ بالتفاقم، لان الدم صار يستدعي الدم. والمواطن العراقي يقف مذهولا امام مايجري، والتساؤل القديم الجديد، يعيد نفسه بداخله.. اين الامم المتحدة والمجتمع الدولي؟! … قد يفهم البعض كلامنا هذا، انه دعوة للتدخل الخارجي، ونقول كلا، وان مانقصده هو الدعوة الى مؤتمر وطني عراقي، برعاية أممية، تكون مخرجاته ملزمة لجميع الاطراف، وهو ماحصل ويحصل مع الكثير من الدول ذات السيادة، من تلك التي مرت بأزمات مستعصية، او حروب اهلية، لان هذا واجب الامم المتحدة التي كان العراق احدى الدول المؤسسة لها.
الى متى يبقى العراق ساحة لتصفية حسابات خارجية، محكومة بمصالح جهات بعينها؟ والى متى يبقى الساسة العراقيون، غير مدركين للدروس السابقة التي مرت على العراق ودفع الشعب، والشعب وحده، ثمنها غاليا، ويراد له ان يستمر في دفع الدم والمال والوقت المهدور؟ .. هذه هي الحقيقة التي علينا ان نذكرها ايضا، لاننا نحن المعنيون اولا ببلدنا، سواء بماضيه القريب والبعيد، او بحاضره المؤلم، او بمستقبله الذي لاندري كيف سيكون؟.
Post Views: 1٬539