د.حسين السلطاني …
الحلقة العاشرة …
من سمات النظام السياسي الديمقراطي ، خصوصاً البرلماني منه ، هي التعددية الحزبية ، ففي ظل هذا النظام تلعب الأحزاب دوراً مهماً في الحياة السياسية و الاجتماعية لكل بلد ، اذا ما بنيت على أسس صحيحة ومرتكزات دقيقة ، و العكس صحيح أيضاً ، و من أهم هذه الأسس :
1- ان تكون للحزب رؤية واضحة و أهداف محددة .
2- ان يمتلك الحزب برنامج عملٍ دقيق ينسجم مع طبيعة المجتمع و متطلباتهم و حاجاتهم الحقيقية .
3-ان تتوفر لهذا الحزب قيادةً كفوءة لها معرفة تامة بأهداف الحزب و امينةٌ على تطبيقها .
4- ان يكون الحزب بعموم أفراده نموذجاًفي الانضباط و التنظيم و العلاقات الأنسانية .
5- ان يكون الهدف الأساسي للحزب هو خدمة ابناء المجتمع و السعي لتأمين حقوقهم و ضمان حرياتهم و له استعدادٌ للتضحية من اجلها .
6- ان يمارس هذا الحزب في إطاره التنظيمي العديد من الآليات التي تؤهل أفراده لإدارة شؤون الدولة عند وصوله للسلطة من قبيل :
أ-احترام القانون و الالتزام بمضامينه
ب- أعتماد مبدأ الانتخابات في تسلم المسؤوليات داخل الحزب
ج-احترام مبدأ الكفاءة و التخصص و النزاهة في إدارة العمل
د-اعتماد مبدأ التشاور مع الآخرين و احترام الرأي المخالف .
ه- تأهيل طاقات متعددة الإختصاصات للإستفادة منها في إدارة شؤون البلد في مرحلة إستلام السلطة .
ان اَي حزبٍ يتمكن من اعتماد هذه المبادئ الأساسية ، و ما يتفرع عنها من قيم ، وتجسيدها عملياً ، سيتمكن بنفس الدرجة من كسب ثقة الناس به والتفافهم حوله ، وتحقيق هذا الهدف يمثل في الواقع أهمّ رأس مالٍ للحزب في عمله السياسي ، أما الوصول الى السلطة فسيكون نتيجة طبيعية لهذه الثقة ، وحينئذ وفق هذه الرؤية ستكون السلطة وسيلةً لخدمة المجتمع و تأمين متطلباتهم ، أما الحزب الذي لا يبني اتباعه على هذه الأسس و لا يكسب منتخبيه وفق هذه الرؤية ويكرس كل جهوده إلى تعبئة الناس خلال فترة الانتخابات بالشعارات فقط ووسائل الخداع المتعددة ليصل بهم إلى السلطة سوف لن يتمكن من الإيفاء بوعوده لحزبه فضلا عن جمهوره الخاص أو مجتمعه العام ، مهما كانت نواياه حسنة ؛ لأن إدارة الدولة وتأمين طموحات المجتمع لا تحققها الشعارات والنوايا الحسنة والإنتخاب العشوائي ، بل تحققها الرؤى الناضجة والبرامج العلمية والطاقات الكفوءة والنزيهة ، وقبل ذلك وبعده المجتمع الواعي الذي لا يعطي ثقته الا لمن هو أهلٌ لتحمل المسؤولية وجدير بالنهوض بأعبائها ، ثم يواصل تحمل مسؤولياته بالمراقبة الدقيقة والتأييد لمواضع القوة وتشجيعها وتحديد مواضع الضعف والمطالبة بمعالجتها ، ومن دون ذلك سيبقى المجتمع في دوَّامة من الأزمات : ( كلما دخلت أمة لعنت أختها ….) الأعراف : 38
إن الأداء السئ الذي مارسته أغلب الأحزاب والقوى السياسية العاملة في العراق بعد عام ٢٠٠٣ ، بسبب عدم بنائها على أسس رصينة من جهة والظروف الإستثنائية التي يعيشها البلد من جهة أخرى هي التي أغضبت شرائح متعددة من أبناء المجتمع فخرجت تطالب بإقصاء جميع الأحزاب من العملية السياسية ، وهي ردة فعل لها مبرراتها الموضوعية غير القليلة ، لكنها بالتأكيد مطالبة غير دقيقة على إطلاقها ، لأنّ الدولة لا يمكن إدارتها إلا وفق نظام سياسيّ معين ، والأنظمة السياسية بشكل عام يمكن ان تقسم الى نظامين :
– الأنظمة الشمولية : وهي الأنظمة التي تسيطر على الحكم بالقوة عبر وسائل متعددة : الانقلابات العسكرية ، سيطرة حزب معين على السلطة ، كما حصل لحزب البعث البائد ، أو سيطرة فئة معينة على السلطة .
– الأنظمة الديمقراطية : وهي الأنظمة المنبثقة عن إرادة أغلبية أبناء المجتمع عبر إنتخابات حرة ونزيهة .
ووفق هذا النظام لايحق لأي حزب أو جهة أن تلغي الآخر ، أو تدعي تمثيلها للشعب دون غيرها ، لان إرادة الشعب التي هي مصدر الشرعية العملية وفق هذا النظام لا تتحقق بالشعارات والمدعيات ، بل تتحقق عبر الآليات القانونية التي رسمها الدستور ، ومنها الإحتكام الى صناديق الإقتراع بالإستناد الى قانون إنتخابات عادل ومفوضية حيادية ونزيهة ، حتى تتم العملية وفق أسس موضوعية ، بعيدا عن مفهوم الفوز والخسارة ، لأن المنتصر الحقيقي هي إرادة المجتمع التي تمثل الجميع .
ومن هنا إذا ما أراد المتظاهرون والقوى السياسية الماسكة بالسلطة ، على حدّ سواء ، ان يحققوا لبلدهم الإصلاح الحقيقي ويجنبوا شعبهم الصراع الداخلي والتدخل الأجنبي أن يعتمدوا الأسس الآتية في أدائهم السياسي :
1- أن يتجنب الجميع في إختلافاتهم أيّ مظهر من مظاهر العنف ، قولاً أو فعلاً .
2- ان تجعل جميع الأطراف الخلاف بينهم خلافا موضوعياً وليس خلافا شخصيا ، وذلك من خلال الإبتعاد عن لغة الإتهامات والمزايدات والإصطفافات .
3- الإسراع في تشريع قانون إنتخابات عادل ومدروس ، يضمن حق جميع أبناء الشعب العراقي في الإشتراك فيها بمنافسة حرة ونزيهة .
4- أن يتم إختيار رئيس وزراء خلفا للسيد عادل عبد المهدي ، كفوء ونزيها ويحظى بقبول أغلبية الشعب العراقي ، وأن تكون حكومته إنتقالية لمدة سنة واحدة وبعدد محدود من الوزراء ، وبقدر الحاجة الضرورية .
5- أن يتم إجراء إنتخابات مبكرة حرة ونزيهة وبإشراف طرفٍ محايد .
6- أن يسعى المتظاهرون خلال هذه الفترة الإنتقالية إلى تشكل حزب أو جبهة سياسية ويدخلوا الإنتخابات ببرنامج سياسي واضح وأهداف محددة ، وشخوص معروفة .
أخيرا : أن يتجاوز الشعب العراقي بكل قومياته وأديانه ومذاهبه كل مظاهر التجزأة والخلافات الجانبية ويضعوا حداً لهذا التشرذم الحزبي والسياسي ؛ لتفرز إنتخاباتهم المقبلة عن جبهتين سياسيتين : أحدهما تمثل الأكثرية وتتولى تشكيل الحكومة ، والثانية معارضة تراقب أداء الحكومة وتساهم بتصحيح مساراتها ، وهذا هو النموذج المتداول في الحكم في أغلب الأنظمة السياسية الذيمقراطية والتي حققت نجاحات باهرة لبلدانها وشعوبها .
Post Views: 2٬050