د.حميد الطرفي …
تتصارع الأفكار وتتصادم الخواطر وتتزاحم التأملات في هذه الليلة . فشوارع مدينتي المقدسة كربلاء التي اعتادت كثرة الضجيج والحجيج كل عام في هذه الليلة هي فارغة موحشة تكاد تستطيع أن تحسب المارين في شوارعها وأزقتها فالليلة هي ليلة النصف من شعبان وهي الليلة التي ولد فيها إمامنا الموعود المنتظر عجل الله فرجه الامام الذي يرث الأرض فيقيم فيها نظاماً سياسياً عالمياً عادلاً فحريٌ بطالبي الحرية والعدالة الاجتماعية أن يحتفوا بمولده .
والليلة ليلة التاسع من نيسان وهي الليلة التي تم فيها إعدام السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية بنت الهدى عام 1980 ، ذلك المرجع الذي قل نظيره في العطاء العلمي ، والسمو الأخلاقي ، والشجاعة الفذة ، والوعي بحاجات الأمة ، انتهكت حرمته وسفك دمه وكان في أوج عطائه فاغتيل وهو ابن خمسة وخمسين عاماً ، دمه ظل يؤرق قاتليه حتى قضى عليهم ومن حق محبيه ومريديه ان يحزنوا كلما تذكروا فاجعة قتله .
والليلة ليلة التاسع من نيسان ليلة سقوط أقسى وأطغى نظام ديكتاتوري عرفه التاريخ وهروب صدام من بغداد وسقوط تمثاله بعدما دمر وخرب البلاد وقتل العباد ومسخ إنسانية العراقيين ، ولكن الليلة أيضاً سقطت بغداد على يد أقوى دولة استكبارية في العالم وهي أمريكا ، سقط النظام الديكتاتوري ولكن سقطت بغداد أيضاً فغدى الأحرار حيارى لايدرون أيفرحون لسقوط الصنم أم يحزنون لاحتلال بلدهم فبعض عده عيداً وبعض عده نكبة .
واليوم يغزو وباء كورونا العالم فيهلك الآلاف فتسقط أنظمة صحية في دول متحضرة ، كنا نعدها بالأمس أيقونة الرفاه والعناية بالبشر ، وتصمد دول كان يعدها الغرب متخلفة وموبوءة بلا وباء . تتزاحم الأفكار وتتعارض الخواطر لاندري هل ذاك رعاية الهية ، أم عناية مادية ، فالضعيف يأخذ أهبته والقوي يُسقطه غروره .
أم أن فايروس كورونا فايروس ذكي يختار ضحاياه ويتلمس جيناتهم ، أم أن جائحته تمشي بهدوء وقريباً ما يفتك بالضعفاء بعدما فتك بالأقوياء ، في مثل هذا التضاد وزحمة الأفكار لا يفلح الا من اطمأن لقضاء الله وقدره ، وآمن بالمدبر الحكيم الأعلى القوي القهار ، فما عجز عنه البشر يوكله لرب البشر . وكيفما تكون فالله خير حافظاً وهو ارحم الراحمين .
Post Views: 1٬712