حكمت البخاتي …
تعرضت الولايات المتحدة الأميركية الى تحد خطير في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين فقد تعرضت في هذه السنة 2020 م الى تحدي جائحة كورونا وهي جائحة اجتاحت العالم بكل أجزائه وهددت النظام العالمي الصحي والاقتصادي ومن ثم السياسي ، وكانت الولايات المتحدة أكثر دول العالم تأثرا بهذه الجائحة على مستوى عدد الاصابات ومستوى المواجهة الصحية التي التزمتها وهي الأكثر فشلا على مستوى الدول العظمى ، وكان وصول أسعار النفط الأميركي الى درجة الصفر/ دولار تعبيرا عن حجم المعاناة التي تركتها تلك الكارثة في الدولة العظمى الأولى في العالم ، مما حدا الى طرح تصورات حول نهاية النظام السياسي والاقتصادي العالمي والتلويح بسقوط الولايات المتحدة لا سيما مع موجة الكراهة التي اجتاحت دول وشعوب عديدة تجاه الولايات المتحدة ؛ بتأثير سياسات دونالد ترامب وجاءت أطروحات ” عالم ما بعد كورونا ” موضوعات جذابة ومغرية للكتابة على مستوى أقلام كبار الكتاب في العالم وفي مختلف الاختصاصات السياسية والاقتصادية والاعلامية ، وكادت تجمع آراء الكتاب والمحللين الدوليين على أن عالم ما بعد كورونا مختلف عن عالم ما قبل كورونا وكانت تلك الآراء تنبيء ضمنا بانهيار متوقع للامبراطورية العظمى الأولى في العالم ، لكن الولايات المتحدة استطاعت أن تتجاوز تلك الأزمة وأن تصمد في البقاء بفضل تراجع حدة كورونا وضعف شراسة الفيروس الذي أصاب العالم ، اضافة الى عوامل موضوعية أخرى أسهمت الى حد كبير في تقويض تهديد جائحة كورونا وقد تسبب فشل الحكومة الأميركية بازاء المواجهة مع كورونا في هزيمة ترامب في الانتخابات الأميركية الأخيرة وفق رأي المحللين الدوليين وهو ما أفسح المجال أمام الولايات المتحدة لتنجو من هذه الكارثة بعد توقعات بتصحيح سياسات المواجهة مع كورونا ، وكان هذا هو التحدي الأول ألأخطر في هذا العقد من القرن الواحد والعشرين .
وأما ثاني تحد تعرضت له الولايات المتحدة في هذه السنة فهو التوقعات بنشوب أزمة أميركية داخلية وقد تأخذ صيغة مسلحة واقتتالية في حالة خسارة الرئيس الأميركي ترامب استنادا الى التوترات العنصرية والانقسامات الحادة التي حدثت في المجتمع الأميركي في فترة رئاسة ترامب وسياساته الشعبوية والمتهورة ، بل امتدت التوقعات الى امتناع الرئيس ترامب عن الاعتراف بهزيمته وتسليم السلطة بشكل سلمي الى المرشح الديمقراطي جو بايدن ، وكانت المؤشرات تعكس توترا سلبيا للرئيس ترامب تجاه النتيجة المتوقعة للانتخابات الأميركية مما حدا ببعض المحللين الدوليين الى تأشير أزمة خطيرة تنتاب النظام الديمقراطي الأميركي وتجعله على المحك في اختبار المصداقية والواقعية ، لكن الولايات المتحدة نجت مرة أخرى بازاء هذا التحدي غير المعهود في التاريخ الأميركي القريب وجرت الانتخابات الأخيرة بشكلها ومضمونها الأميركي المعتاد ، وأعلنت وسائل الاعلام الأميركية فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن ليكون الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية بعد اعلان أغلب الولايات الأميركية نتائج الاقتراع فيها .
لكن تظل التحديات الدولية هي الأكثر حساسية بازاء المصداقية والحلول السياسية والدبلوماسية التي يسعى الديمقراطيون الى اتباعها وتنفيذها في سياسات الديمقراطي بايدن بعد الاعلان رسميا عن رئاسته للولايات المتحدة والمتوقعة خلال أيام قريبة جدا . ولعل أهم هذه التحديات هو تصحيح المسارات الخاطئة لسياسات ترامب في تعاملاته الدولية السياسية والاقتصادية والتجارية وقراراته المفاجئة في الغاء العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لا سيما في ما يخص عمل المنظمات الدولية الصحية والبيئية والتجارية ، وقد تسربت معلومات صحفية واعلامية عن نية بايدن الغاء جميع قرارات ترامب التي ألغت بموجبها الولايات المتحدة التزاماتها الدولية تجاه هذه المنظمات الأممية والدولية .
لقد تأثرت منطقتنا العربية والاسلامية كثيرا بسياسات ترامب التي استهدفت اخضاع القرار السياسي في دولنا الى الارادة السياسية للولايات المتحدة وامتصاص ثرواتها باساليب فجة لم تعهده العلاقات الدولية لا سيما ابتزازه المستمر للمملكة السعودية وما نتج عنه من استمرار حالة العدوان على الشعب اليمني ، بينما عبرت سياسات التطبيع التي نفذتها أنظمة سياسية عربية عن حجم ارتهان القرار السياسي بالارادة السياسية الأميركية ، وقد أثرت سياسات الحصار على دول المنطقة التي اتبعتها حكومة ترامب على الاوضاع الاقتصادية والاحوال المعيشية لشعوب المنطقة لا سيما تلك التي لم تدخل دولها وأنظمتها في حقول التطبيع التي فرضتها سياسات ترامب ، مما يدع أوضاع هذه الدول والشعوب في قائمة التحديات الدولية التي تواجه حكومة الرئيس المقبل للولايات المتحدة بايدن لا سيما وأن هذه الشعوب ودولها خاضت حروبا ضد الارهاب ودخلت بعض حكوماتها في تفاهمات وتحالفات مع الولايات المتحدة في الحرب على الارهاب وضد تنظيمات داعش الارهابية ، وكانت تلك التحالفات تحدث في ظل حكومة الديمقراطيين التي كان يرأسها أوباما مع دولة العراق وبنفس الوقت كانت حكومة أوباما الديمقراطية قد أنهت الملف النووي الايراني من خلال ما عرف بالاتفاق النووي الايراني بين ايران ومجموعة الدول الكبرى 5+1 ، مما يفصح صعود الديمقراطيين مرة أخرى الى الحكم عن بادرة أمل في تجاوز التحديات والتهديدات التي تواجهها المنطقة عبر تكريس الخطاب العقلاني – السياسي في السياسة الأميركية الخارجية ونبذ سياسات التدخل في الشؤون الداخلية للدول في المنطقة ومحاولات اخضاعها الى الارادة السياسية الأميركية التي صارت سمة ونهج السياسة الخارجية المتبعة في الولايات المتحدة .