سلام مكي …
كان القضاء، وما زال، ملاذا وأمنا لمن لا أمان له. هو الحصن الأخير والقلعة الأخيرة التي يلوذ بها الفارون من جحيم الحياة، ولهب القدر، وضوضاء الشارع.. هو النهر الذي يروي عطش المظلوم، ويشبع الجائع عدلا وإنصافا، استطاع أن يصمد بوجه أقوى موج عاتٍ، جرف معه كل شيء، موج الفساد، الذي لم يترك خلفه من سور أو سارية أو…. إلا واقتلعها من مكانها، وحوّلها إلى رماد، قد توقف أمام سواحل القضاء، أوقفته الأقلام التي أبت إلا أن تسطّر الحق، وتمحو ظلامات الباطل، وتلون حياة المحرومين، وترسم على سمائهم شمسا لا تغيب، المشرع لم يعد القضاء منزها عن الخطأ، بدليل أنه جعل هنالك رقابة على القضاء.
إدارية وقانونية. قانونية تتمثل بإمكانية الطعن بالقرارات التي تصدرها محاكم الموضوع أو غيرها، وإدارية، تتمثل برقابة الجهات العليا على عمل القضاة، وسمح بالشكوى من القاضي في حال مخالفته القانون.
لا دولة، ولا مجتمع بلا قضاء سليم، يطبق القانون ويحمي حقوق الأفراد والدولة، ولعل سمعة القضاء، من أهم متطلبات زرع الثقة لدى الأفراد بالقضاء وبدوره في حمايتهم وحماية حقوقهم، وإلا فإن زعزعة الثقة بالمؤسسة القضائية، ونشر فكرة عن محاباة ومراعاة لجهات معينة على حساب القانون والمجتمع، يعني بالضرورة عدم الثقة بالقضاء، وبالتالي، توجه الأفراد إلى حل منازعاتهم أما بأنفسهم أو بطرائق أخرى، عن طريق العشائر أو الجهات المسلحة، وهو ما يعني تنازلهم عن جزء من حقوقهم، ويعني أيضا غياب الدولة وتحول المجتمع إلى كيان قائم على القوة والنفوذ.
قبل أيام أصدرت محكمة جنح الحلة المختصة بالنظر في قضايا النزاهة، حكما بحق محافظ بابل السابق، بالحبس الشديد لمدة ثلاث سنوات، عن قضية محاولة هدر المال العام بسبب عقد مشبوه، استطاعت هيئة النزاهة إيقافه منذ اللحظات الأولى للعمل به فمنعت صرف المبلغ المقرر صرفه وهو 14 مليار دينار.
ورغم إيقاف العمل بالعقد، وعدم صرف المبلغ، فقد رأت المحكمة أن الفعل شكّل جرما يستوجب العقاب، فقررت إصدار حكم بحبس المتسبب الأول وهو المحافظ 3 سنوات وأصدرت حكمها غيابيا، كون المدان هارب عن وجه العدالة. ولكون صياغة الخبر، فتحت بابا للتأويل او بالأحرى فهم الخبر بشكل غير صحيح، فقد شنت مواقع وصفحات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي هجوما عنيفا على القضاء، حتى أن بعض المسؤولين واجهوا الخبر بالتهكم والهجوم بشكل مضمر، لعدم قدرتهم على التصريح.. وأصر الكثيرون على أن الـ 3 سنوات مقابل 14 مليار قرار مجحف ويمثل محاباة للمدان. ذلك الهجوم، للأسف كان مدعاة لتضليل الرأي العام، وإعطاء صورة خاطئة ومشوهة عن الحكم الصادر، ورغم أن المحكمة بيّنت لاحقا أن المبلغ لم يصرف أنها أصدرت قرارها وفق القناعات التي توصلت إليها، لكن الرأي العام لم يقتنع، وقرر أن المبلغ صرف.
إن مهمة القضاء ليست باليسيرة، فهي مهمة جليلة وعظيمة، وفي ظل هذه الظروف، تحتاج السلطة القضائية إلى مضاعفة الجهود لغرض إحقاق الحق، وترسيخ العدالة وبث الطمأنينة والسكينة في نفوس الناس. ولعل إعادة الثقة بالقضاء، من خلال مواجهة الشائعات والأخبار المضللة أمر لابد منه، فلا يمكن ترك مجموعة أفراد لا تعرف غاياتهم، بث الأخبار الكاذبة وتشويه صورة القضاء أمام الناس، لابد من نشر الصورة الحقيقية لأي خبر كاذب، والرد على من ينال من القضاء عبر الحجج والبراهين والأدلة، كون إن السكوت على تلك الأفعال يضعف الثقة بالقضاء.
Post Views: 1٬202