د.حسين السلطاني…
شهدت العاصمة بغداد ، وتحديداً المنطقة الخضراء مساء 29 آب 2022 أحداثاً مؤلِمة ومؤسفة وضعت البلد أمام منزلق خطير ومستقبل مجهول ، وقد عاش العراقيون ليلة من الترّقب والقلق والألم والحُزن خشيّة تطور الأحداث و إستغلالها من قِبل أعدائهم المتربصين بهم الدوائر ، كما حصل في أحداثِ تشرين المؤلمة .
لقد مَنّ الله سُبحانه و تعالى على العراقيين جميعاً ، و أتباعِ أهل البيت خصوصاً بدفعِ هذه الفتنة ، ووقاهم شرّها و يعودُ الفضل في ذلك إلى القوى العراقية الخيّرة التي دعت إلى نبذ العُنف وإدانة الإقتتال بينَ العراقيين وتغليب لغة السلم و الحوار بين المتخاصمين وإلى القُوى الأمنية التي تحمّلت شرف المسؤولية و أدارت الأحداث بإنضباط عالٍ و حكمة كبيرة ، وللموقف الشجاع للسيّد مقتدى الصدر الذي حسم المعركة و وأد الفتنة وأنقذ العبادَ و البِلاد من شرّها وآثارها الكارثية ، وقد وضعت هذه الأحداث القوى السياسية الشيعيّة أمام خيارين ، يختلف ، أحدهما عن الأخر ، من حيث المنطلقات والنتائج :
الخيار الأول :
هو الذهاب الى تشكيل الحكومة بمعزل عن التيار الصدري ، ويرى اصحاب هذا الخيار إنّ ماحصَل في هذه الاحداث يمثل إنتصاراً لطرف سياسي على طرف سياسي آخر وبالتالي لابد من إستثماره من قبل القوة المنتصرة في تعزيز سعييها للوصول إلى السلطة وحصر مقاليد إدارة البلد بيدها ، وإقصاء مناوئيها عن التأثير في المشهد السياسي في المرحلة القادمة ، وهذه الرؤية وهذا الموقف يكشف عن قصر نظر كبير لأصحاب هذه الرؤية ، وأزمة حادة لديهم في قرائتهم للاحداث وتعاملهم معها ، وإستشراف آثارها ، البعيدة منها والقريبة . ليدرك جيدا أصحاب هذا الإتجاه أن الواقع السياسي والإجتماعي الراهن في العراق معقدُ بأعلى درجات التعقيد ؛ نتيجة للتركة الثقيلة التي خلفها النظام الدكتاتوري البائد على واقع المجتمع العراقي ، وعلى رأسها المنهج التخريبي لحزب البعث وقدرة هذا الحزب المجرم على التلوّن والإستثمار والنفوذ ، والتخريب والتآمر ، وكذلك التدخل الإقليمي والدولي الكبير في شؤونِ بلدنا الداخلية ، والغزو الثقافي والهجوم الإعلامي الذي يعترّض له شعبنا ، وتجربتنا الضعيفة في إدارة الحكم وعدم التعامل الصحيح مع سياقات عمل الدولة والتداول السلمي للسلطة ، ناهيك عن قلّة الوعي المجتمعي ، وإنشغال عموم أبناء المجمع في همومهم اليومية عن تحملهم لمسؤولياتهم في العمل السياسي .
إن هذا الواقع المثقل بكل هذه الهموم و التحديات و الإنشطارات ، لا يُمكن إصلاحه بالإعتماد على عامل القوّة و تبادل الإتهامات ، وإعتماد منهج الإقصاء والتهميش وبث سموم الكراهية والأحقاد ، ولا يُمكن إدارته من قبل قوى سياسية تتحكم بها غرائزها وأهواؤها ، ومصالحها الضيقة ، بل يحتاج إلى قوى سياسية يحكمها العقل ويقودها الشرع ، وتتحكم بها المبادئ والقيم وتبتغي رضا الله أولاً ومصالح المجتمع ثانياً : ( أدعُ إلى سبيلَ ربّك بالحِكمةِ و الموعِظة الحَسِنة و جادِلهُم بالّتي هِي أحسن )
إنّ التجربة السياسية المؤلمة التي عاشها المجتمع العراقي خلال العقدين الاخيرين تكشف بوضوح خطا المنهج المعتمد في التعاطي بين القوى السياسية العراقية ، الأمر الذي ساهم بإضعاف الدولة وفقدان هيبتها ، داخليا وخارجيا ، وبدد موارد العراق ، البشرية والمالية ، وافسد على العراقيين فرصة ذهبية لبناء بلدهم وخدمة شعبهم .
كل ذلك يفرض على القوى السياسية عموما والشيعية خصوصا أن تقف وقفة مسؤولة لمراجعة أدائها وتغيير مناهج عملها على الأصعدة كافة .
الخيار الثاني :