نعيم ياسين …
الامام الحسين (ع) امام الانسانية جمعاء, وامام المسلمين اجمع, ولايجادل في ذلك سوى قتلة الحسين قديما وحديثا, ولسنا بصدد اثبات المثبت ولا بصدد البرهنة على البديهة. الامام سيد الشهداء ورافع لواء الرفض للطغيان, والمنادي باحقاق الحق وازهاق الباطل لم يكن سوى محمدي الانتساب والنزعة والمنهج ” حسين مني وانا من حسين ” , وتلكم المزايا حملته ليختار الشهادة طريقا, رافضا طريق الاذلال والعبودية لدعي ابن ادعياء ” الا ان الدعي ابن الدعي قد خيرنا بين اثنتين , بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة, يابى الله لنا ذلك ورسوله “. واعطى (ع) فما ابقى حتى قال الشاعر يرسم صورة ذلك العطاء على لسان الامام الشهيد:
هذي رجالي في رضاك ذبائحٌ … مابين منحورٍ وطعينِ.
وتمر القرون تترى, قرنا يتبع قرنا, ويظل الحسين خالدا رغم سياسة ائمة الجور على محو اثره, وطمس معالم ثورته, وتشويه مبادئه , لكن للحسين (ع) اتباعا لم يخلُ منهم زمان ولا مكان, آمنوا به, واستجابو لدعوته ايمانا به وتسليما, وشاء الله ان يصطفي من عباده من العراقيين شبابا ورجالا ونساءً, ليكونوا انصارا للحسين ودين الحسين, فقاتلوا يزيد عصرهم صدام وحزبه وجنده الباغين, واختاروا طريق ذات الشوكة, فاعطوا الشهداء قوافل تتبعها اخرى, واعطوا سني شبابهم للسجون حتى ذوت في ذات الله. واحياءً لذكرى عاشوراء, كانت مواكب الطلبة, ومسيرة صفر العظيمة (1977), ومسيرات الزيارة الى قبلة الاحرار برغم الجواسيس والاعدامات والاعتقالات.
ودار الفلك دورته, فسقط الطاغية وحزبه تلاحقهم اللعنات الى مزبلة التاريخ, وظل الحسين منتصرا على الذي كان جادا في منع زيارته واحياء ذكرى شهادته, وانتصر اتباع الحسين من شهداء وسجناء ومعتقلين على جلادهم بصبرهم, فمضوا في مسيرتهم في بناء ما دمره الطغيان, ولم تنسهم الدنيا الجديدة جوهر الانتماء الى مدرسة سيد الشهداء, فكانوا ومازالوا ما بين ناقد للمسيرة من اجل ان ترتقي, وبين عامل فيها بقدر ما يسعه العمل في الدولة والمجتمع.
وفي ذكرى الاربعين الحسينية العظمى (1444ه – 2022م) اقامت مؤسسة السجناء والمعتقلين السياسيين وبتوجيه من معالي رئيسها احتفالية احياء الذكرى في سجن ابي غريب وفي الاقسام الخاصة, وما ادراك ما الاقسام الخاصة ؟. هي طوامير لا يُعرَف فيها الليلُ من النهار, يمشي في زنازينها الموت والرعب, لكن فيها رجالا حسينيين لا تلهيهم تجارة ولابيع, ولم يثنهم خوف عن ذكر الله.
ان احياء الذكرى في سجن ابي غريب له دلالته ورمزيته, فهو السياق الطبيعي للانتماء والهوية التي تشربت في نفس وقلب كل سجين, وهو اشهار لدوام الخط وخلوده, وهو ايضا احياء لذكريات المجالس التي كانت تقام في تلك الزنازين واستذكارا لخطبائها الحسينيين من امثال السيد عبد الهادي الشوكي الذي كان يجيد اطوارا عديدة في نعي الامام(ع) فتحضر الفاجعة حية حتى ينسى السجين الامه وماجرى عليه ليحلق في اجواء كربلاء فيرخي الدمع ساخنا ولسان حاله :
تبكيكَ عيني لا لاجلِ مثوبةٍ … وانما لاجلِك عيني باكية
وكذلك الشيخ عبد الجبار الساعدي باثاراته في فلسفة الثورة الحسينية وغيرهما. ومن قوة التلاحم بين السجين وامامه الحسين(ع) ان كثيرا من السجناء تعلم فنون الخطابة الحسينية هناك. ان احياء ذكرى الامام الحسين (ع) سواء في عاشورائه العظيمة ام في اربعينيته اليوم وبين جدران باستيل العراق سجن ابي غريب, كما هو اعلان عن هوية وانتماء, فهو ايضا رسالة بان سيد الشهداء كان سجين راي وفكر في ظل حكم طاغية, وفي مجتمع جاهل وامة خائرة القوى. من ابي غريب السجن الى ابي غريب الاحتفال بذكرى الامام الحسين يعني اصالة الانتماء ودوام الخط.
Post Views: 1٬347