قراءة نقدية في رواية ناهض الهندي ( شهقة الحوت)

0
1458

بغداد ـ ثائر عبد الخالق …

( ضربات سريعة متلاحقة أسرع من تأوه وأنين المعتقل الهارب ، ثم صوت صرخة متمادية الأبعاد اخترقت كل الحواجز ، تلتها شهقة كأنها كرة جلدية تنفخ هواءً محبوسا فيها، ثم اختفى صوته ونشيجه .
ـ انتهى
ـ مات
حوار مقتضب بين أفراد الأمن ، تبعه صوت جسد يسحل خارجا بصمت وبلا مقاومة ، عند الغروب نادى هتلر (أسم حارس أمن) زميله أبا غضب : هل تريد عشاءً ؟ فأجابه بقهقهة وسخرية لاذعة : لا لقد تعشيت بهذا الـ (………) شتيمة.الضابط هادئا ، حتى إنه لم يتفوه إلا بثلاث كلمات فقط بالعدد الحرفي لها لماذا هربت ؟ أقتلوهˮ

يسأل ناهض الهندي عن الحقيقة ويقول أين الحقيقة ؟ هل في هذا العالم السريالي وجود للحقيقة ؟ وهل توجد أصلا حقيقة ، أم إن كل شيء وهم وخيال ؟ شهقة الحوت ص 101 ـ 102

الصورة التي أمامنا حقيقة ، ولكون ناهض الهندي يقول : الصورة هي ليست الحقيقة، لأنها لم تعكس الجوهر يوم ما . شهقة الحوت ص18

فهذا يعني إن للحقيقة دلالات كما يقول الفيلسوف الفرنسي (لالاند) بأن الحقيقة هي القضية الصادقة وما تمت البرهنة عليه وهي شاهدة الشاهد (ناهض الهندي) السجين في المغلق (القافات) الذي يتكلم عما رأه ، فأذن ناهض الهندي هو (الواقع) ، ولكون ناهض هو جوهر الحقيقة (ماهية) لأنه يمتلك الصورة بوجود هذه الحقيقة الثابتة التي عاشها.

والسلطة في وجودها حقيقة ظاهرة كسلطة ، لكن الحقيقة كمفهوم إن السلطة تعد مؤسسة قمعية ولكون الصراع الدائر بين الحقيقة كوجود متمثلة بـ (ناهض الهندي) وسلطوية الحقيقة القمعية التي تسعى لإبعاد الحقيقة من خلال أشكال الهيمنة ومنها سجن (الحقيقة).

فـ (السجين السياسي ) ليس المقبل هو ذاك الذي لم يأت بعد وما سيأتي في زمن لا حق ، بل هو ذلك الذي يلتفت ويتجه في تفكيره وكًونه إلى ماوراء هوامش الحاضر مهما كان الزمن الذي عاش أو يعيش أو سيعيش ) الأسئلة الأساسية للفلسفة ص23

ولكي نفهم ماهية الحقيقة (للسجن والسجين السياسي) نعود للبدء الأول الذي تجده مليئا بالسجون والمعتقلات وكل أنواع التعذيب التي استعملت في حقيقة ما ورثناه منذ زمن العصر الجاهلي والدولتين الأموية والعباسية والانتكاسات التاريخية للصراع الذي كان محتدما بين الأمبرطورايات المجاورة للعراق ، حيث أصبح العراق محور الصراع .

ومما لا شك فيه إن الاضطهاد الديني على مر العصور طال الأنبياء والرسل وكل أصحاب العقائد الدينية وشواهد التاريخ كثيرة وما حصل لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الطاهرة حيث لا قوا شتى أنواع التعذيب وكذلك السيد المسيح (ع) وكل أصحاب الكلمة الحرة الشريفة .

لقد تميز عمل (ناهض الهندي) القاص والروائي تميز في لغة السرد وجمالية الوصف لاتخاذه الشعر وخاصة بحق الإمام المظلوم سيد شباب أهل الجنة الحسين (ع) والسيرة ، فضلا عن الدراما والعودة إلى الماضي كصورة مخيالية عالقة في الذهن ، بل الدخول المباشر في الحاضر المعاش والنظر بعين ثاقبة للمستقبل ، ناهيك عن استخدامه للأجناس الأدبية في الحكي، استطاع من خلال الحبكات والتوقفات المتتالية بأسلوب سردي مما أثر على القارئ بصورة مباشرة ، ولهذا ينقل (ناهض الهندي) حقيقة السلطة وإكراهاتها تجاه المجتمع في تحديد وتوجه خطاباته التي تعد أداة ردع للسلطة القمعية.

فلكي نقرر ( حقيقة القضية بمعنى الصواب يجب قبل ذلك أن ينفتح الكائن والمجال الذي يتجلى فيه حتى نستطيع أن نصوب نحوه وأن نستمد منه ـ من الكائن ـ ماهو في حقيقته) الفيلسوف الألماني هايدغر

( فتيات في عمر الزهور معهم إلى المعتقل حكايتهن قصة فريدة من نوعها، وثقيلة لا تحتملها أشد التعابير وأقوى الكلمات، كان لكل واحدة منهن حياة مختلفة قبل أن يلجن في عالم الظلمات ، إنما يجمعهن قاسم مشترك وهو العفة والالتزام الديني والثقافي ، وهذا ما كان يجعل أشرف الرجال وأرفعهم مقاما وأسماهم منزلة، يلتمس منهن لفتة أو نظرة عطف واحدة ، واليوم صرن بين أراذل الناس يتبخترون فوق رؤوسهن بأزيائهم العسكرية، وأمسين يتسربلن بأردية متسخة اخشوشنت من قذارة الزنزانات وعفنها، قوتهن من قوة الموقف الذي ألم بهن وحاصرهن وصرن أقوى من الصخور يقفن وحدهن بمواجهة حصار من ضباع مفترسة) شهقة الحوت ص112

يزعم البعض أن السرد يشكل في الواقع طريقة مستقلة في الفهم تميز الفكر التاريخي بأنه يتضمن فضلا عن أشياء أخرى فهم الحوادث التاريخية بطريقة (شمولية) أو (توليفية) تمكن من رؤيتها على أنها تشكل جزءا من نموذج قابل للفهم وتسهم في الكل.

يقودنا الكاتب (ناهض الهندي) إلى التحرر الذاتي الذي يقودنا إلى فهم التحرر الأول والذي في حد ذاته بدء يقودنا إلى البدء الآخر الذي نحن نعيش ونسعى إلى تغييره ، لا شيء يستثنى من السؤال الدولة كسلطة في مجالاتها كافة الاقتصادية والإعلامية والثقافية والدينية والأخلاقية والأيديولوجية.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here