وطافت بي الذكريات

0
1224


د.حميد الطرفي …

(حضوركم وفاء للشهيدات) هكذا خُتمت دعوة وجهتها عائلة ابتلاها الله بأن قدمت شهيدة وشهيد وسجينة وسجين من أولادها في عهد النظام السابق ، تعهدت هذه العائلة ببناء مقبرة رمزية للشهيدات في وادي السلام بالنجف الأشرف ، فوجهت دعوة لحضور افتتاحها ، حضور لافت من النساء والرجال في جوف الصحراء حيث اقيمت المقبرة المذكورة في المقبرة الحديثة . لم أكن أعلم أن الانسان بعد الستين أكثر عاطفةً وأرق حساً من ابن العشرين ، ولم أكن أعلم انه بهذا العمر قد يبكي وهو يسمع محنته من شخص آخر ، أي يبكي على نفسه ، لا أدري أهو الخيال الواسع الذي يتراكم مع الأيام فيجسد تفاصيل تلك الآلام ، أم انه الإحساس بقرب الأجل وتصرم العمر وقلة العمل ، أم أن الذكريات دوماً تُشفع بالحنين فتداعب المشاعر ،وكلما تقادمت الأيام فاستذكارها يعني نبش العمق العاطفي النقي الذي لا تصل اليه مطالب الدنيا وحاجاتها وما ترتبه من ركام مادي .

فتيات بعمر الورود لم يتخطين الخامسة والعشرين من العمر ، تتلوى على اجسادهن سياط الجلادين ، تتفحصهن عيون الذئاب ، وتعبث بثيابهن أيادي العتاة ، يُنادى عليهن الى المشانق فيودعن أخواتهن في الايمان اللاتي لم يحن دورهن بعد ، ويمضين الى الموت بهدوء ووقار غير آبهات ولا نادمات ، أو هكذا يُبدين ، البعض منهن ولدن داخل السجن ، وعليهن تدريب اطفالهن للفراق الذي لا بد منه ، ولكن أنى لطفل لم يبلغ الثانية أو الثالثة من العمر ان يقبل بفراق امه مهما أوتي من تدريب ؟

قصص كثيرة عشناها وسمعناها قبل اربعين عاماً ولكننا لم نكن نبكي ، هل كنا قساة ، كلا ، ربما لأننا لم نعرف بعد طعم الابوة والبنوة ولا مذاقها . اليوم المتحدثة تتحدث في الحفل وأنا سارح في تساؤلاتي ، كيف لتلكم الرياحين ان تتقدم للمشانق ، ماذا كانت تقول وهي ترى حبل المشنقة الذي طالما أرهب رجالاً شداداً ؟ هل تراءت لها صورة طفلها الذي تركته عند السجينات الاخريات ؟ هل تذكرت امها أباها أخواتها ؟ وما للمرأة والمشانق ؟ ألهذا الحد كنَّ يشكلن خطراً على النظام والحكم ؟ لا أظن ولكن الأعداء على صنفين ، عدو عاقل ، وعدو حاقد جاهل ، وهكذا كان صدام .

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here