سنوات المحنة : معاناة لقاء الاحبة في ابي غريب

0
935

تحقيق/ احلام رهك

تنتهي الزيارة او (المواجهة) ولا تنتهي العذابات التي يعانيها أهالي السجناء السياسيين ، الانتظار تحت الشمس الحارقة في الصيف والوقوف في الطابور لساعات ، ومعاناة البرد والمطر في الشتاء ، كثيرة هي العذابات للوصول وزيارة الاحباب وراء قضبان سجن ابي غريب.

كانت (ام محمد ) تحمل على كتفها حقيبة مثقلة بزاد ودواء لابنها السجين السياسي ، مبتهلة إلى الله أن تصل إليه بسهولة، وتوصل إليه محتويات الحقيبة كاملة.

تحكي ام محمد قائلة : ليلة الزيارة، سهرت لتحضير الطعام والعلاج لابني المريض، ثم مشيت فجرا كي أصل باكرا أمام البوابة الكبيرة الكئيبة لسجن ابي غريب، نادى الضابط للدخول، وبعد معاناة في الوقوف في الطابور المميت دخلت فلم اجده فجلست على الارض وبدأت ابكي وانوح وبدأ اصدقاؤه من السجناء بمواساتي وكانوا ينادوني (بيمه .. يمه احنه كلنا ولدج ) ، وحينما سألت الضابط قال لي ببرود ابنك بالمحجر (الحبس الانفرادي) ، ورغم أنني حضرت للزيارة قبلها ورأيته ، وبعد التوسل للضابط قال إنه سينظر في أمره والزيارة القادمة سوف يخرجه من المحجر .

ام حسين والوداع الاخير :

يصف السجين السياسي سالم هادي ام حسين فيقول: حضورها الدائم أيام الزيارات مازال في الذاكرة، ووقفتها بسلتها الحمراء كانت تميزها عن غيرها فنقول تلك ام حسين .

حسين لفته عدَّ احد مسببي الانتفاضة التي قام بها السجناء في قسم الأحكام الخاصة والتي اعتقل على أثرها مجددا حيث كان سجينا في سجن الرضوانية لأجل التحقيق .

كنا مترددين كيف نخفف عنها وقع المفاجأة واذا سألت أم حسين عن ابنها ماذا نقول ؟ وعندما سألت كان جوابنا واحداً هو ان حسين قد اختلف مع عناصر الحرس الموجودين وتم احتجازه الى فترة محدودة ، بيدان هواجسها ووجدانها الصادقين أكدُ العكس وأجابت قد حل امر بحق حسين ولم تصارحوني بحقيقة ما حدث، وقد اكدنا لها قولنا وانه سيتم فك احتجازه الأسبوع القادم ان شاء الله .

وفي المواجهة الثانية كنا نتناقش ماذا نقول لأم حسين لنخفف عنها المصيبة ، وصل موعد الزيارة القادمة ولم تأت ام حسين ، وبعد سؤالنا عنها اكد الحاضرون ان ام حسين ذهبت الى عالم اللا عودة وفارقت الحياة.

اعدم حسين بعد فترة بطريقة وحشية اذ رموه الى الكلاب الجائعة لتأكله هو وثلة مجاهدة معه بعد أن أخذوا شاهدين اثنين ليرويا لنا ما شاهداه من القتل المريع.

توسلات ضائعة:

تضيف زينب في مرحلة تفتيش الأكل، سمح لي بان ادخل الطعام ولكن منعوا دخول العلاج، فتوسلت منهارة، وقلت لهم إنه سجين منذ ثلاث سنوات ونصف السنة يعاني من مرض شديد في الكبد والطحال، ولكن توسلاتي ضاعت بلا جدوى. وتتكلم في أسى: يسمح لنا بالزيارة كل 15 يوماً نواجه الكثير من الصعوبات في الوصول الى داخل السجن نقف في طابور ونحن نحمل الأغراض والاكل وننصدم بتفتيش مبالغ به وكأنهم يتعمدون إفساد الزيارة.

ان ما حدث معنا في الزيارة الأخيرة أخرجني عن صمتي بعد أن يئست من الحديث عن معاناة يوميات الزيارة، فلا أحد يريد حتى أن يرفع الظلم عنا، ويخفف من الاهانات التي نسمعها من حراس بوابة سجن ابي غريب.

وتضيف : يبالغون بالتفتيش أثناء الزيارة على الباب الداخلي، تفتيشا مهينا بإخراج كل المحتويات من خضراوات وفاكهة وأدوية حتى الملابس، مما يستغرق ساعات من الانتظار المهين، ويبتذلون الطعام من خلال القائه أوالعبث به.

اصطناع البسمة:

وتتابع :بعد كل هذه المعاناة ندخل لنطالع نظرات الترقب والقلق في عيون أحبابنا، الذين تصلهم أنباء إهانتنا عند كل زيارة، فيتضاعف عذابهم. وتشير إلى أنه بعد كل هذا القهر، علينا اصطناع بسمة باهتة على وجوهنا لكي نخفي الحزن عن أحبابنا خلال ساعة الزيارة التي تمر بسرعة.

وتعود زينب لمنزلها منهارة آخر النهار، تجر أبناءها وخيبة الأمل ، بعد نصف يوم من المعاناة، تشكو إلى كل ركن في البيت غياب رفيق الدرب والحياة.

المبيت امام السجن:

وفق شهادات اهالي سجناء ابي غريب السياسيين :

تقول عائلة السجين السياسي مهدي : نحن من محافظة الناصرية نخرج من البيت ليلاً ونصل الى سجن ابي غريب في ساعات متأخرة تصل احيانا الثالثة او الرابعة صباحا والى ان يفتح باب السجن في الساعة التاسعة يستلزم علينا المبيت أمام السجن .

اما عائلة السجين السياسي سعد من اهالي البصرة : كنا نتجمع منذ الليلة السابقة بامتداد سور السجن، القريب من بوابته المغلقة، والجلوس على الأرض، والالتحاف بأغطية، الى ان يفتح باب الزيارة في التاسعة صباحا .

الزيارة حقٌ مشروع بالقانون:

وتقول هناء : أن السجناء السياسيين في سجون شديدة الحراسة بصفة عامة يفتقدون جميع حقوقهم الأساسية، ومنها الحق في الزيارة، وهو حق مشترك بين النزيل وأسرته واحيانا نجدهم في الحبس الانفرادي لمدة طويلة والعقوبة البدنية والحبس في زنزانة مظلمة وغير ذلك من المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية وبعد معاناة الدخول للسجن بيوم الزيارة نتفاجأ ان بعض السجناء ومن ضمنهم زوجي حبس بالزنزانة الانفرادية ولا نستطيع رؤيته .

وتضيف :على فرض أن السجين ارتكب جرما يستحق عليه العقاب، فما جريرة أسرته حتى تمنع من زيارته، أو تقهر على بوابات السجون؟ وما ذنب زوجته وأولاده ؟ وما الخطورة التي تمثلها الزيارة على أمن النظام حتى يتم منع الزيارة للسجين الذي يعاقب في المحجر .

كما تتم الزيارة في انتشار أفراد الأمن بين العوائل، مما يمثل انتهاكاً صارخا لحق خصوصية الزيارة، التي يتم منعها في أحيان كثيرة.

وتقول ابتهال : الزيارات هي منفذ السجناء إلى العالم الخارجي، فيما وراء أسوار السجن وبواباته التي تغلق فتمنع عنهم جريان الزمن، فاذا مُنعت الزيارات عن السجناء، كيف يمكن مرور الوقت، كيف سيكون شعورهم بالوقت، ثم الزمن؟ مع كونها حافزا لسرعة مرور الأيام والشيء الوحيد الذي ينتظره السجناء.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here