في أيار من عام 1981، لم تكن السبورة في إعدادية الكاظمية للبنين سوى لوحٍ أسود بسيط، يُدَوّن عليه الطلاب أحلامهم الصغيرة ودروسهم اليومية. صباحٌ عاديٌ آخر، وحصّة دراسية رتيبة، لكنها تحولت إلى مأساة مدوّية، حين كُتبت عليها كلمة: “يسقط صدام”. تعبيرا عن رفض الواقع المظلم الذي مارسه هذا الدكتاتور تجاه أبناء شعبه.
لا أحد يعرف من كتبها، ولا أحد سُمِح له أن يدافع. فحين وصل الخبر إلى أقبية النظام، لم يكن بحاجة إلى متهم حقيقي، بل إلى مشهد دموي يُرضي غروره الأمني. وهكذا، اُعتقل جميع طلاب الصف الرابع الاعدادي، وسُحبوا من مقاعدهم إلى المعتقلات، ومن هناك إلى المشنقة… دون محاكمة، دون رحمة، ودون أن يعرف الوطن قبورهم.
أُعدموا تباعاً، في تواريخ متفرقة، وبلغ عدد الضحايا في تلك المجزرة – التي ستُعرف لاحقًا باسم “شهداء السبورة” – أكثر من 676 شهيدًا، بين طلاب وأفراد من عائلاتهم، قُدِّموا قرابين لوحشية لا تعرف معنى للعدالة.
واليوم، بعد أربعة عقود، شاركت مؤسسة السجناء السياسيين في وقفة استذكارية نظّمها جهاز الأمن الوطني في مدينة الكاظمية المقدسة، بحضور جمع من الشخصيات والمؤسسات الرسمية، يتقدّمهم مدير عام دائرة العلاقات والإعلام والشؤون الثقافية السيد عدي عدنان الخدران ممثلًا عن رئيس المؤسسة الدكتور وليد السهلاني، وذلك وفاءً لتلك الدماء الزكية.
قال الخدران في كلمته: “نستذكر اليوم فتيان الكاظمية الذين لم يتجاوزوا السادسة عشرة من أعمارهم، وقد أُعدموا فقط لأن أحدهم كتب كلمةً على السبورة. لم تكن هناك محاكمة ولا دليل، فقط انتقامٌ دموي أراد أن يطفئ كلمة بحبل مشنقة.” وأضاف: “بلغ عدد الشهداء أكثر من 676 إنسانًا، وهي جريمة لا مثيل لها في التاريخ الحديث، ولا يجوز أن تُنسى أو تَمرّ كحادثة عابرة في ذاكرة الوطن.”
من جانبه، قال مدير العلاقات السيد أحمد الساعدي: “وفاءً لهؤلاء الشهداء، نقف اليوم هنا لنستذكرهم، ونعيد سرد الجريمة التي أُعدم فيها طلاب أبرياء فقط لأنهم تجرؤوا على الحلم.”
أما الباحثة والسجينة السياسية سلامات عباس، فقد تحدثت بألم: “كانوا دون السن القانونية، بل أطفالاً في عيون القانون والإنسانية. اختفوا دون أثر، وما زال ذووهم في حدادٍ دائم، وقلوبهم معلّقة بين الرجاء واليأس. إن ما جرى لا يجب أن يُطوى، بل يجب أن يُحقق فيه، ويوثّق، وتُطالب الدولة بالاعتراف به.”
هذه الوقفة كانت احياءً لذكرى واستعادةَ لصوت الضحية في وجه الصمت الطويل، وتأكيد من مؤسسة السجناء السياسيين على مواصلة دورها في كشف جرائم النظام البائد، وتوثيق معاناة الأبرياء الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لكلمة كُتبت على السبورة.