نحن أمام فصل جديد من الردع الإيراني للكيان الصهيوني

0
50


فاضل الحلو

كيف غيّرت إيران قواعد الاشتباك وفرضت معادلة ردع غير مسبوقة؟

في تطور غير مسبوق في الصراع الإقليمي، ومع توالي الضربات والردود، تدخل إيران اليوم فصلًا جديدًا من معادلة الردع تجاه الكيان الصهيوني، ليس فقط عسكريًا بل سياسيًا واستراتيجيًا وإعلاميًا.

إننا لا نشهد مجرّد رد فعل محدود على اعتداء، بل ولادة واضحة لعقيدة ردع إيرانية شاملة، أرست قواعد اشتباك جديدة، وكسرت احتكار “إسرائيل” لزمام المبادرة، وفرضت واقعًا أمنيًا غير مألوف في تاريخ الصراع.

من الردع بالكلام إلى الردع بالفعل

لطالما اعتمدت إيران خلال العقود الماضية على سياسة “الصبر الاستراتيجي” في مواجهة الاستفزازات الصهيونية، مكتفية بالتصريحات أو الردود غير المباشرة عبر حلفائها في محور المقاومة.

لكن مع اغتيال قادة من الحرس الثوري داخل مبنى دبلوماسي في دمشق، اتخذت طهران القرار بتحويل عقيدة الردع من حالة نظرية إلى فعل عملي مباشر، لتقوم بقصف الكيان المحتل بأكثر من 300 صاروخ ومسيّرة في سابقة تاريخية.

ولم يكن الرد مجرد استعراض قوة، بل رسالة مدروسة وحاسمة مفادها:

“الدم الإيراني لن يكون مستباحًا بعد اليوم، والعدو الصهيوني لن ينام آمنًا إذا اعتدى.”

انهيار الردع الإسرائيلي: من الهيبة إلى الهشاشة

لعقود طويلة، اعتمدت “إسرائيل” على استراتيجية الردع التي تقوم على الضربات الاستباقية، وتفوقها الجوي والتكنولوجي، والقبة الحديدية التي تُقدّم كحصن منيع.
لكن ما حصل مؤخرًا كشف هشاشة هذه المنظومة:

عجز دفاعات إسرائيل الجوية عن اعتراض الصواريخ والمسيرات بشكل كامل، رغم مليارات الدولارات المصروفة على أنظمتها.

الفوضى والرعب في الداخل الإسرائيلي، مع تدافع المستوطنين إلى الملاجئ ومغادرة المناطق الحدودية.

الارتباك السياسي والعسكري داخل قيادة الاحتلال، التي فوجئت برد مباشر بهذه الكثافة من إيران نفسها وليس عبر وكلاء.

وبذلك، لم يعد العدو الإسرائيلي الطرف الذي يحدد زمان ومكان المعركة، بل بات الآن في موقع المتلقّي غير القادر على التحكم بتداعيات رد فعل الخصم.

إيران ترسم خارطة جديدة لمعادلات الإقليم

الردع الإيراني اليوم لم يكن منعزلًا عن البيئة الجيوسياسية، بل جاء ضمن إطار إقليمي متماسك تقوده إيران عبر محور المقاومة، وتدعمه بتقنية عسكرية متقدمة، وتفكير استراتيجي عابر للحدود.

أهم ما يُميز هذا الفصل الجديد:

إيران تبادر بالرد من داخل أراضيها، دون وسطاء أو وكلاء، ما يرفع مستوى المواجهة إلى درجة دولة مقابل دولة.

التنسيق مع حلفاء المقاومة (في غزة ولبنان واليمن والعراق) يرفع منسوب الضغط على الاحتلال من كل الجبهات.

إعادة تعريف الردع كمنظومة متكاملة تشمل: القوة العسكرية، الإعلام الحربي، الشرعية الإقليمية، والاستعداد للتصعيد إذا لزم الأمر.

الردع الإيراني… ما بعد المعركة

بعيدًا عن نتائج الضربات العسكرية المباشرة، فإن الأثر الأعمق للردع الإيراني هو كسره لحاجز الهيمنة النفسية والسياسية الإسرائيلية، وهو ما نلاحظه في:

تغير الخطاب الصهيوني من التهديد إلى التهدئة.

تصاعد الدعوات داخل “إسرائيل” لإعادة النظر في العلاقة مع طهران.

اهتزاز الثقة الشعبية بالمؤسسة الأمنية والعسكرية.

ارتفاع مكانة إيران في أوساط الشعوب، خصوصًا في ظل صمت بعض الأنظمة.

 الردع الذي يُكتب بحبر الإرادة والصواريخ

ما نشهده اليوم هو تحول نوعي في طبيعة الصراع بين إيران والكيان الصهيوني. لم تعد إسرائيل قادرة على الضرب والانسحاب دون ثمن. ولم تعد قادرة على الادعاء بأنها “الجيش الذي لا يُقهر”.

لقد دخلنا مرحلة جديدة، عنوانها:

“إذا أُريق الدم الإيراني، فإن الرد قادم لا محالة… وبطريقة تُرعب العدو وتطمئن الحلفاء.”

ولذلك، فإن الردع الإيراني لم يعد خيارًا تكتيكيًا، بل هو الآن استراتيجية قومية متكاملة، ترسم مستقبل المنطقة وتُعيد صياغة موازين القوة.

نعم، نحن أمام فصل جديد كُتب بالصواريخ، وخُطّ بالإرادة، وسيُدرّس في معادلات الأمن والسيادة لعقود قادمة.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here