جيلٌ يبحث عن صوته

0
80


فاضل الحلو

نحن جيلٌ لا يعرف اليقين.

وُلدنا في مناطق الرماد، بين حربٍ انتهت وأخرى بدأت، وبين سلامٍ مؤجل وخطاباتٍ لا تتغيّر. كبرنا على أصوات المذيعين لا على همسات الأمهات، وعلى صور الزعماء لا على دفاتر الرسم، تربينا على نصوص محفوظة لا تشبهنا، وعلى أوطانٍ واسعةٍ في الجغرافيا، لكنها ضيقةٌ في الشعور.

نشأنا في ظلال الخُطَب.

كانت الأحلام مؤجلة دومًا، والواقع مكتوبًا مسبقًا. سمعنا كثيرًا عن المجد، عن النصر، عن التضحيات… لكننا لم نرَ منها شيئًا. كل ما عرفناه هو الانتظار، والشك، والتردد، حتى الحكايات التي سمعناها في طفولتنا، لم تكن لنا، بل عن “أمجاد” آبائنا، وعن ماضٍ لم نختر أن نحمله.

لم نُمنح فرصةً واحدة لننطق بما نشعر.

كلما حاولنا، قيل لنا: “اسكت، ما زلت صغيرًا”. وحين كبرنا، قالوا: “ليس الآن، الوقت لا يسمح”. كنا جيلًا في الخلف، في الزاوية، في الظل، حين تحدثنا عن التعب، اعتُبرنا مدلّلين. وحين عبّرنا عن الحيرة، اتُّهمنا بالتمرّد. لم يفهم أحد أننا لا نبحث عن الفوضى، بل عن معنى.

نحن جيلٌ لا يثق كثيرًا، لا يصفّق سريعًا، لا يبني أوهامًا.

لكننا أيضًا جيلٌ يراقب، يفكّر، ويعرف الفرق بين الحقيقة والصدى. تعلمنا من القسوة أن لا نُعلّق آمالنا على أحد، ومن الكذب أن نبحث عن الصدق في داخلنا، لم نرث الأمان، لكننا نحاول صناعته. لم نُعطَ وطنًا يحضننا، لكننا نرسم ملامحه في دفاترنا، وقلوبنا، ومشاريعنا الصغيرة.

جيلنا ليس الضحية… بل الناجي.

نجونا من التلقين، من القوالب، من السرديات الجاهزة. قد لا نملك يقينًا راسخًا، لكننا نملك سؤالًا حيًّا، وهذا وحده بداية الطريق.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here