من الطف تبدأ القصيدة… وبالحسين تنتهي

0
78

أحلام رهك
في كل عامٍ، يعود الطف لا كحدثٍ في التقويم ، بل كجرحٍ مفتوح في قلب الإنسانية، وكندبةٍ أبدية في جبين الضمير البشري.
يعود الطف لا كواقعةٍ مضت، بل كصرخةٍ لا تزال تمزّق أستار الصمت، وكأنها ولدت لتبقى، ولتبقى معها القصيدة ترتجف كقلب أمٍ على رمضاء كربلاء.
الطف… ليس ساحة معركة، بل محراب شهادة، وموطن للدم النقي الذي قرر أن يكتب التاريخ بحبرٍ من التضحية.
وكلما ارتجف القلم أمام ذكراه، سالت القصيدة من وجدان الشعراء كالنهر المضمّخ بالحزن، فتنبت من بين السطور رؤوسٌ مرفوعة، ودموعٌ مسفوحة، وراياتٌ لا تسقط.
في وجدان القصيدة، الحسين ليس رجلاً مضى، بل قضية لا تموت.
هو الحرف الذي لا يُكتب إلا بوجع، هو السطر الذي يبدأ بـ”هيهات” ولا ينتهي، هو الصدى الذي يهزم الصمت، ويدقّ في ضمير الزمن ناقوس الحياة.
حين يكتب الشعراء عن كربلاء، لا يكتبون عن سيوفٍ وشهداء فقط، بل عن ماءٍ مُنع، وطفلةٍ عطشى، وزينبٍ تمشي حافيةً بين حرائق الخيام.
عن كفٍّ قُطعت، ولم تسقط الراية.
عن رقبةٍ حزّها الظلم، فصارت منبرًا للعدل في وجه الطغيان.
الطف في وجدان القصيدة هو البوصلة…
هو الحدّ الفاصل بين النُبل والخنوع، بين النور والظلام، كل بيتٍ شعري يتردد باسم الحسين هو معركة أخلاقية جديدة، تُخاض لا بالسيوف، بل بالحق في وجه الباطل، وبالدمع النقي في وجه قساوة التاريخ.
وحين يتماهى الشاعر مع الطف، تصبح القصيدة موكبًا من العزاء، وزحفًا من العاشقين، ونشيجًا لا يخبو.
تصبح كربلاء كل أرض، ويصير الحسين كل زمان، ويصير الحرف ملحمةً تُولد من الرماد، وتحيا في الضمير.
الطف ليس جرحًا نُرثيه، بل نبضًا نحياه، هو ما يجعل القصيدة لا تُقال، بل تُبكى…
ولا تُقرأ، بل تُرتّل، ولا تُنسى، بل تُورّث كالسلام، وكالولاء، وكالصلاة.
سلامٌ على الطف، وسلامٌ على من سكبوه في وجدان القصيدة…
دمًا لا يجف، وشعراً لا يُنسى، وحقاً لا يُهزم

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here