بين الحنين المسموم وذاكرة الخراب

0
79


فاضل الحلو

في كل أزمة يعيشها العراق، يخرج بعض الأصوات لتنوح على الماضي وكأنّها تترحّم على “زمن المنهولة” وتبكي على “أيام صدام”، وكأنّ القسوة والدم كانت نعمة، وكأنّ الخوف كان استقراراً.

أولئك الذين “يعوون” على أطلال الطغيان، لا يحنّون إلى وطنٍ آمنٍ، بل يحنّون إلى قيودهم التي اعتادوا عليها، وإلى الصمت الذي ظنّوه كرامة.

هؤلاء لا يدركون أن العراق اليوم – رغم ما يعتريه من أزماتٍ وتحديات – يعيش فضاء الحرية الذي لم يعرفوه من قبل، وأن الكلمة التي يكتبونها اليوم ضدّ الدولة لو قالوها في زمن “المخلّص” الذي يبكونه، لما وجدوا بعدها طريقاً إلى بيوتهم.

أما الذين يردّدون: “ماضينا أفضل من حاضرنا”، فهم في الحقيقة أسرى الذاكرة المشوَّهة، ينسون المقابر الجماعية، والدم المسفوك، والحروب التي أكلت أبناء الوطن وأموال الشعب، ويقيسون “الراحة” بعدم وعيهم حينها بما كان يُرتكب خلف الجدران.

الحنين إلى الماضي حين يكون أداة تبريرٍ للاستبداد، هو خيانةٌ للحقيقة، وهو ضربٌ من العمى التاريخي. فالأمم التي تقدّس طغاتها لا يمكن أن تبني مستقبلاً، لأنّها تنظر إلى الوراء وهي تجرّ سلاسلها بأيديها.

أيها المتباكون على الخراب القديم:
حين تتحدثون عن الماضي وكأنه الجنة، تذكّروا أن تلك “النعمة” التي تتغنون بها كانت قناعاً لوجه القهر، وأن البلاد التي يحكمها الخوف لا تصنع مجداً، بل مقابر.

لقد آن للعراقي أن يعتز بحاضره، لا لأنه بلا أخطاء، بل لأنه بلا أصنام. أن يواجه الواقع بشجاعة، لا بأن يلوذ بالحنين المزيّف.

فالعراق لا يعود إلى الوراء، والعاقل لا يخلط بين النعمة والذل، ولا بين الأمن والمقبرة.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here