
د.حسين السلطاني …
الحلقة : ١١
– أسس بناء الدولة :
إتضح من خلال الحلقات السابقة أنّ النظام السياسي القائم في العراق لم يستطع بناء دولة على أسس سليمة ، لعوامل متعددة ، تمت الإشارة إليها إجمالا ، وهذا البناء غير السليم للدولة هو الذي يقف ، في الواقع ، وراء الكثير من المشاكل والازمات التي يعيشها البلد ، الامر الذي يستدعي ان نضع يدنا على هذه المشكلة الأساسية والسعي لمعالجتها ، لأنها تشكل العلة الأولى لجميع المشاكل الاخرى ، ومن دون ذلك ستكون جميع الحلول الأخرى ترقيعية وغير مجدية .
إن بناء الدولة على أسس صحيحة تتم من خلال توفر العناصر الآتية :
العنصر الأول : وجود منظومة قانونية دقيقة .
من أهم أسس بناء الدولة ونجاحها في إداء مهامها هي أن تتوفر لها منظومة قانونية شاملة لجميع الأهداف التي تنشدها ، وتشمل هذه المنظومة القانونية الدستور أولا والقوانين المتفرعة عنه ثانيا والتعليمات المنبثقة من القوانين ثالثا ، فوثيقة الدستور يفترض التركيز فيها على مبادئ إساسية ، منها :
المبدأ الأول : وحدة الدولة وسيادتها على جميع أنحاء البلاد ، وقرارها المركزي الموحد .
المبدأ الثاني : وحدة الشعب العراقي ، وضمان حقوق الجميع دون تمييز .
المبدأ الثالث : ضرورة المحافظة على هيبة الدولة وحصر السلاح بيدها فقط .
المبدأ الرابع : إحترام القانون وتطبيقه على الجميع دون تبعيض .
المبدأ الخامس : إلغاء جميع المواد أو الفقرات أو العبارات التي تساهم في تجزئة المجتمع العراقي أو تقسيمه تحت أيّ عنوان .
المبدأ السادس : بناء الجيش والقوى الأمنية على مختلف صنوفها على إسس مهنية ، بعيدا عن أي نوع من أنواع التخندق السياسي أو الحزبي أو القومي أو الطائفي ، وان يكون الجميع تحت سلطة الحكومة المركزية .
المبدأ السابع : تكون جميع موارد البلد تحت تصرف الحكومة المركزية ويتم توزيعها بين جميع أبناء الشعب العراقي ، وفق معيار الحق والعدل .
المبدأ الثامن : تحديد وظائف السلطات بدقة وإلزام الجميع بالتعاون التام لتحقيق أهداف الدولة ، ووضع مرجعية محددة للجميع للإحتكام إليها في موارد الإختلاف .
المبدأ التاسع : تحديد نوع النظام السياسي الذي يحكم البلد ، وعدد أعضاء مجلس النواب .
المبدأ العاشر :التأكيد على موضوع التربية والتعليم وضرورة إبعاده عن المعترك السياسي والتجاذب الحزبي .
المبدأ الحادي عشر : التأكيد على ضرورة حفظ حقوق المجتمع وضمان حرياته .
المبدأ الثاني عشر : أن تكون السياسة الخارجية بيد الحكومة المركزية وان تفرض سيطرتها على جميع المنافذ الحدودية للبلد .
أما على مستوى القوانين فهي الأخرى بحاجة الى تشريعات جديدة متعددة ، وإعادة النظر بأغلب القوانين السابقة بإعتبار أنّ الكثير منها شرعت على أسس مصلحية وجزافية وليست على أسس موضوعية ، كما من الضروري أيضا إعادة النظر في عددالوزارات والمؤسسات من إجل إختزالها أو دمجها أو إلغائها ، على أن يراعى في كل التشريعات الحاجة الضرورية لها أولا وتحقيق العدالة الإجتماعية لجميع أبناء المجتمع ثانيا ومقدار الموارد المالية المتوفرة في البلد ثالثا .
العنصر الثاني : وجود فريق منسجم لإدارة الدولة .
كما يعلم الجميع أنّ الدولة هي مجموع السلطات والمؤسسات والهيئات التي تتولى إدارة شؤون البلد ، وتأمين حقوق المجتمع ، وفقا للدستور والقوانين المنبثقة عنه ، وهذه المهمة الكبيرة لايتحقق لها النجاح ما لم ينهض بأعبائها فريق حكومي منسجم ، وهذا الانسجام لايتحقق بالشعارات والمجاملات والمواعظ بل لابد أن يبنى على أسس موضوعية ، من أهمها :
١- ان تتشكل الحكومة من قبل حزب أو إئتلاف له الأغلبية في مقاعد مجلس النواب ؛ حتى يستطيع من تنفيذ برنامجه الحكومي الذي أوعد الشعب بتنفيذه في الحملة الإنتخابية ، وإلا كيف تستطيع حكومة من القيام بمهامها وهي منقسمة فيما بينها من جهة ، ولاتحظى بدعم البرلمان من جهة أخرى ، ولا تأييد المجتمع من جهة ثالثة ؟!!
٢- أن تتوفر لدى عموم أعضاء الفريق الحكومي ، خصوصا القيادات العليا منه ، معرفة تامة بأهداف الدولة وآليات عملها اولا وأمانة كاملة في الإلتزام بمؤداها وتجسيدها عملياً ثانيا ، أما أن تتشكل الدولة من أحزاب متناحرة يضعف بعضها البعض الآخر ، ويضع العراقيل إمام خصمه لإفشاله ، فمثل هكذا دولة ، وفِي ظل هكذا فريق غير منسجم ، لا يتحقق لها النجاح ، مهما كانت مواردها كبيرة ، وبعض طاقاتها مخلصة ، لأن المنهج غير السليم سيبدد كل الموارد ويفشل كل الطاقات .
٣- الإختيار الدقيق للطاقات التي تتولى مسؤولية إدارة مفاصل العمل الحكومي .
٤- تشريع القوانين اللازمة التي تحدد صلاحيات كل سلطة من سلطات الدولة ، واتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه أدنى تقصير يحصل من أي طرف من أطرافها .
Post Views: 2٬815