حكمت البخاتي …
” قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد “
هكذا يبدأ الكاتب والسجين السياسي ” ناهض الهندي ” حكاية مذكراته التي لم ينته بعد من استرجاعها الدائم وما أورثته وقائع أحداث تلك المذكرات من أثار انسانية ملازمة لحياة الكاتب بل ملازمة لتاريخ وحياة أمة بكاملها ، من هنا حقا انها لم تنته بعد حين يتشابك فيها بعدين ملحمي وانساني ولذلك لا يعدها الكاتب مجرد مذكرات بل هي بالنسبة اليه رهان وجوده وتاريخ حياته بما هو كائن موجود يحس وجوده باكتنازه آلامه هي كما يصفها هو بضعة منه لا انفكاك له عنها ولاخلاص يتوقع منها انه كشف عن دواخل وجوده الشخصي ويجيء أجدر وصف لها من خلال تلك الدواخل الملتهبة ألما بقوله ” ليس حديثا يروى بل ألما يتلوى شديدا في داخلي لا أقوى على السيطرة عليه ” ولذلك فهي ليس رواية كما يرى لأن ساردها يعيش بمشاعرها في أعماقه بمضمون دائم ، لكنها من وجهة نظرنا رواية أو ملحمة في الوجود مبدعة في التذكير بما هو عليه الوجود من تناقضاته وتضاداته وصيرورته التي يتركب بها أخيرا الوجود وفق هيغل .
ولذلك هي رواية لم تنته بعد بل دائما تشكل صيرورة مستمرة تستشف البدايات دائما فيها بالنسبة للكاتب لانها في صميم الوجود الشخصي للكاتب والسجين السياسي ” الهندي ” .
لكن عبارة البداية ” انا لم تنته بعد ” يكتمل المعنى فيها باستلهام الكاتب لحكمة سجين سياسي قصي المسافات عنه انه يقول ” لا تسوّد الجوهرة الناعمة تحت ثديك الأ يسر ان تقضي في السجن عشرا من السنين ، خمس عشر ، وأكثر ” هكذا يقول الشاعر التركي ناظم حكمت فكان الكاتب الهندي موفقا في استلهام فكرته ونصه .
ولانها سرديات لم تنته بعد فهو يدعوا المتلقي الى عشاء اللقاء الذي يأمل ” ان لا يكون الأخير ” ،
كان حلم لديه ان يكون هذا اللقاء ، حلم راوده في ” عتمة داكنة مثل ظلمة شتاء شمالي ” هكذا يقول في تاريخ هذا الحلم الذي كان يستشعره في دواخله وهو يعاني في وجوده فجيعة ان لا تكون حرا ، لكنه يلمح في تلك الدواخل المنفعلة بآمال الحرية ” بقعة مضيئة يكاد ينشق منها نور … يرسم فجرا سرمديا ” هكذا يثق بحلمه في خروج طائر عشقه للشمس على ان يكون لقاء الشمس لقاءا سرمديا .
وحينها يقول ” سأنزف حبرا يروي حكاية بعيدة كل البعد عن ألأنا ” وبين عنت ” سيرة زمن كاد ان يهرس شعبا ” وفرصة ممنوحة ربانيا للخلاص من أسار ذلك الزمن المر زمن البعث ودكتاتوره البائس ، كانت ذاكرة الكاتب والسجين السياسي ” الهندي ” تنزف وجعا لكنها أخيرا نزفت نفثة نزفت حبرا يروي تاريخ الآلام .
وفيها تتجلى انتصار إرادة الحياة وهي تنفذ ” من شقوق الظلام ” وهو عنوان حكاية الوجود الشخصي وعنوان ذاكرة السجين السياسي ” ناهض الهندي “
لكن هناك ” مقدمة لا بد منها ” هي البوح بما يتدفق به البوح من لغة المكبوت وما لا يريد اللاوعي اقتناصه لذلك يصر الكاتب الهندي على البوح حتى تتخفف عن خاطره المبرح ألما سياطا من الذكريات تولد معه كل صباح تضطجع معه في الفراش تسير الى جنبه في الطرقات ، حين يختفي ظله في الفيء يظل متسمرا الى جنبه يعلوا كتفه وهامته هكذا يبوح الهندي وبتلك المفردات بمعاشرته التي لم تنته بعد لآلام الذكريات لكنه يسعى الى النفاذ من بين شقوق الظلام يسعى من أجل إزاحة المكبوت عن كاهل وذاكرة وطن خطت سطور مأساة ملحمته سياط الجلاد وارتسمت على جدران سجونه تاريخ الآلام لشعب ووطن أصر على انتصار إرادة الحياة .
أخيرا يرسوا مركب الآلام على شواطئ الحكمة الإنسانية ليستنتج الكاتب والسجين السياسي ومؤرخ الألم العراقي ” ناهض الهندي ” أمنياته الإنسانية أن لا يذوق أحد غيره هذا العذاب حتى لو كان الجلاد نفسه ليختم كلمته في مطاف الاعتبار بهذه الحكمة بأنها ” هي عصارة ما أريده أن يحدث للقارئ بل هي كل ما أريده من الكلام ” .
هل استمر ؟
بسرد ما تجللني من مشاعر وأفكار وأنا أتلوا سرد مذكرات أو تاريخ وجود شخصي لكاتب مبدع وسجين سياسي حر .
لا ، سأتوقف لأدع للمتلقي أن يبحر عميقا وبعيدا في الكشف عن المعاني الملحمية والإنسانية المفصح عنها والمخبئ فيها في رائعة هذا السرد الملهم إنسانيا وثقافيا .
Post Views: 2٬177