حكمت البخاتي ..
ظلت تركيا دائما تنظر الى دول الجوار الآسيوي على انها المجال الحيوي لها وقد تنوع ذلك المجال جنوبا بين دول عربية وشرقا بين دول طورانية وهي تشكل بقايا جمهوريات الاتحاد السوفيتي المتفتت ، ومع صعود نجم اردوغان وحزبه العدالة والتنمية انتقلت تركيا من الجانب النظري في هذا التقييم الى الجانب العملي وسعت في سياستها الخارجية الى استثمار واستغلال هذا المجال بما يتناسب وتطلعاتها العقائدية – السياسية وتطوير قدراتها التجارية والصناعية .
وقد ساعد الموقع الاستراتيجي – الجغرافي لتركيا أن تكون لاعبا إقليميا أساسيا ودوليا ثانويا فتركيا تشكل بوابة آسيا في جزئها الإسلامي الكبير باتجاه أوربا ومدخل هذا الجزء الأهم من العالم القديم الى العالم الحديث وهي نقطة اللقاء الثقافي والتاريخي بين حضارتين تقاسمتا تاريخ العالم والمنطقة على وجه الخصوص وكان بإمكانها أن تلعب دورا رياديا إسلاميا مؤثرا وقويا وبذلك تستقطب إمكانات وقدرات العالم الإسلامي ، لكن تركيا الحديثة التي نزعت عنها الهوية الإسلامية في تأسيس جمهوريتها العلمانية على يد كمال أتاتورك ظلت على هذا النزوع القومي – العلماني ولم تتخل عنه حتى في لحظتها الاسلامية الراهنة وظلت تسعى باتجاه مصلحتها القومية السياسية والاقتصادية وقد تكرس هذا الاتجاه بشكل أقوى مع صعود حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية – الاخوانية وكذلك ظلت على التوجه الذي سنته لها علمانيتها المؤسسة لتركيا الحديثة في النزوع باتجاه أوربا والتصميم الاستراتيجي لها في الانضواء في الاتحاد الأوربي ولم تختلف في هذا المنحى حكوماتها العلمانية السابقة وحكومتها الاسلامية الراهنة .
ومع ادراكها صعوبة هذا الدخول غير المسموح به أوربيا فان تركيا بدأت بالاهتمام مجددا وبشكل عملي بمجالها الحيوي الآسيوي – الإسلامي وبناء على تنظيرات داوود أوغلو وزير خارجيتها الأسبق ومنظر الاستراتيجية التركية في ظل حكومة تنتمي الى توجهات أصولية وقومية وتعاني من ازدواجية الرؤية الإستراتيجية فقد حاول اغلوا في نظريته ان يبرز الاثر والتأثير العثماني في صياغة المنطقة الاسلامية – الاسيوية ممهدا الى استعادة امجاد الخلافة القومية – العثمانية عبر التيار الاسلامي – الاصولي ، وهو مادفع تركيا الى محاولة فرض نفسها زعيمة للعالم الاسلامي – السني في ظل غياب الزعامة العربية – الاسلامية – السنية أو تراجعها الملحوظ بسبب تراكم المشاكل والازمات التي تمر بها المملكة العربية السعودية الزعيمة المفترضة للعالم الاسلامي – السني .
ولم تكتف تركيا أوردغان بطرح الفكرة العثمانية على صعيد المسلسلات التلفزيونية أو الشعارات القومية باحياء الرموز المفترضة للعثمانية مثل نقل جثمان وقبر السلطان سليمان القانوني من حلب الى داخل الاراضي التركية أو سعي أوردغان شخصيا الى اقامة مركز اسلامي ومسجد في ساحة تقسيم في اسطنبول باسم السلطان سليم الاول مما اثار مشاعر الملايين من الطائفة العلوية ذات الجذور القومية التركية والتي تنسب الى هذا السلطان مذبحة مروعة بحقهم في التاريخ العثماني واذا كان هذا يتم وفق الرؤية الاصولية والقومية للعثمانية في الداخل التركي فان امتدادات هذه السياسة الى المنطقة كان واحدا من ابرز اخطار أو افرازات الفكرة العثمانية فقد دعمت تركيا بشكل لامحدود الحركات الاسلامية – الاصولية في حربها في سوريا وتحويل الصراع الدامي فيها الى صراع طائفي يستعيد تاريخية تمثيل تركيا العثمانية للعالم السني في حروبها مع ايران التي وضعت سياسيا في تمثيل العالم الشيعي.
وقد أدّت تركيا دورا استعراضيا باذخا ومجانيا في تدهورعلاقتها باسرائيل ودفاعها عن القضية الفلسطينية وكان آخرها الطلب من السفير الاسرائيلي في أنقرة بمغادرة الاراضي التركية ولم تقدم على خطوة واحدة في اعادة النظر بعلاقاتها السياسية والدبلوماسية مع اسرائيل ناهيك عن قطعها حرصا منها على مصالحها المتوقعة من جانبها في الانضمام الى الاتحاد الاوربي من جهة وحرصا على مصالحها التجارية والاقتصادية مع اسرائيل ز
واذا كانت تركيا في سياستها الاقليمية تلك تسعى الى استثمار أزمات المنطقة سواء في فلسطين أو سوريا بل حتى في مصر وتونس بسبب ارتباطاتها العقائدية والايدلوجية مع الاحزاب والحركات الاصولية في هذه الدول فانها سعت الى استغلال وليس مجرد استثمار الازمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها العراق فلجأت الى الضغط المادي والاقتصادي على جمهورية العراق بواسطة قطع المياه عن أراضيه من أجل مقايضة برميل ماء ببرميل نفط عراقي وكان هذا حلم يتحدث عنه الرئيس التركي العلماني – الاسبق تركت أوزول في ايام دراسته الجامعية في اميركا ومع وصوله الى سدة الحكم وضع هذا الحلم على رفوف السياسة أو الدبلوماسية التركية حتى اذا جاء أوردغان – الاسلامي في قبالة العلماني التركي استعاد حلم سلفه العلماني ونفذه عمليا وعلى مراحل من العمل حتى كان آخرها سد اليسو الذي يستغرق املاؤه مدة ثلاث سنوات وفق المختصين مما يؤثر بشكل يدعوالى القلق على مصادر ومنابع نهر دجلة ويشكل خطرا على مناسيب مياه هذا النهر الذي تتشكل فيه وفي نهر الفرات هوية وتاريخ وحضارة العراق ، مما يضعنا أمام محاولة سياسية تركية في استهداف البنية التاريخية والجغرافية للدولة العراقية ومحاولة محو ستراتيجي تمارسه الهوية والاحيائية العثمانية للهوية الاجتماعية العراقية من أجل توثيق اتصال المجال الحيوي التركي بالارادة السياسية للدولة التركية وربط المنطقة بالقرار السياسي التركي من خلال برنامج التعطيش السياسي وهو سعي خطير في تتريك القرار السياسي الاقليمي الذي نجد انموذجه الاول والتاريخي في سياسة التتريك العرقي الذي مارسته الدولة العثمانية وهنا تكمن خطورة سد إليسو التركي السياسية والاستراتيجية.
Post Views: 3٬325