الزمن السياسي وغياب النضج السياسي

0
2228

حكمت البخاتي …
تكمن مشكلة الدولة التي أصابها الفشل الديمقراطي في عدم النضج السياسي فالطبقة السياسية النافذة في هذه الدولة التي لم تمر بتجربة حكم ولم تكن مشاركة في نظام حكم تكتسب من خلاله خبرات سياسية وإدارية في السلطة تجعل من العسير عليها معرفة قواعد السلطة ، فالحكم وفق قواعد التجربة الموروثة عن الزمن / الماضي السياسي ومن لا يمتلك هذا الزمن لا يحسن إداء تجربة الحكم في الحاضر.
لكن صدمة المسؤولية ومفاجأة الحكم لمن لا يمتلك هذا الماضي قد تجعل من الحاضر السياسي معلما وملهما للخطوات الصحيحة في السياسة ويؤدي تراكم الخبرات في هذه التجربة الحاضرة الى نضج سياسي يجعل إمكانية النجاح السياسي فرصة متاحة وجديرة بالانجاز وهو ما يفسر نجاح بعض الأنظمة السياسية ولو جزئيا في الدول التي انخرطت حديثا في المسار الديمقراطي في أدائها السياسي والاداري وينعكس في نجاحها الاقتصادي مباشرة.
لكن تظل تجربة الماضي السياسي مهمة وناجزة في قوة الأداء وامكانية العمل السياسي والاداري وهو ما يفسح المجال في أحيان كثيرة الى تطور في نظم الدولة السياسية والقانونية والادارية ومن ثم الاقتصادية وهنا نضرب المثال بالدولة الأوربية الحديثة التي لا تقل أعمار أحدثها تاريخيا عن القرنين من الزمان السياسي وكانت أنظمة تلك الدول الحديثة تستند الى التطور كفكرة ملهمة أنتجها عصر التنوير وعصر الديمقراطيات في أوربا.
وهذا الكلام اذا يجد مداه أو تعبيره في النظام السياسي في الدولة فأن الزمن السياسي شرط في نضج المعارضة سياسيا ، وتكافأ المواقع في الزمن السياسي ضروري بين السلطة والمعارضة من أجل نجاح معادلة الدولة.
فالخبرة المكتسبة في المعارضة تزيد من زخم وأهمية الأداء المعارض على المستويين السياسي والقانوني ثم الاداري وهي تؤدي الى تراكم الخبرات السياسية والقانونية لدى المعارضة مما يمنحها نضجا أكثر وأهم احيانا من النضج الحاصل لدى السلطة لأن المعارضة تشغل واحدة من أخطر مسؤولياتها وهي موقع المراقب للسلطة والباحث عن أخطائها من أجل سلامة وصحة الانجاز السياسي والقانوني والاداري ومن ثم الاقتصادي الذي يكون في مقدمة مهام الدولة الحديثة.
والمعارضة في حقيقتها تمارس سلطة مضمرة على السلطة السياسية مما ينقلها الى موقع هو ضمنيا أعلى من السلطة مما يشترط النضج الأكثر لأنها تحتاج اليه في أداءها الذاتي / المعارضة العلنية وفي أداءها الرقابي / السلطة المضمرة.
ويشكل افتقاد النضج السياسي لدى المعارضة مشكلة صادمة في البناء الديمقراطي لكن افتقاد المعارضة بذاتها يشكل مشكلة أخطر في بناء الدولة الحديثة التي تقوم على مبدأ الديمقراطية لمعادلته الرئيسية وغير الجائز التفريط بها وهي السلطة / المعارضة وهي تعبر في هذه الحالة عن افتقاد العملية السياسية برمتها الى النضج السياسي.
ولعل مشكلتنا في العراق تكمن في غياب المعارضة الحقيقية في البرلمان المفترض ديمقراطيا ناهيك عن غياب النضج السياسي لديها وغياب النضج السياسي ايضا في الطبقة السياسية التي تمثل مواقع السلطة في الدولة.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here