الرئيسية تحقيقات آية الله العظمى السيد علاء الدين الغريفي: أوصي جميع العاملين في المؤسسة...
حاوره / ثائر عبد الخالق …
إن معرفة الإنسان شرط لمعرفة خطابه وكما يقول الفلاسفة ( فنحن لا يمكن أن نفهم مرحلة لغة ما إذا لم نفهم تاريخها في كليته وكذلك فهم جوهرها ، الإنسان وعالمه ، ذاكرة الإنسان وذاكرة الوجود المحيط) .
ولكي يكون لنا نظرة تاريخية وموضوعية أن نفهم مرحلة الظلم التي مر بها العراق وخاصة السجناء السياسيون ، علينا أن نسبر أغوار هذه المرحلة وفهمها وتوثيقها كذاكرة لذلك الإنسان وعالمه ووجوده .
الكتابة ليس فقط للقراءة أو ملء الفراغ الحاصل في صحيفة أو موقع ، إننا نكتب لكي يفهم الآخر ومن خلال الفهم يتولد الإدراك الذي بدوره يقودك للوعي الذي يجعلك أن تفهم التاريخ بموضوعية وجوده وذاتية تكوينه، في تلك اللحظة نستطيع أن نصل للحقيقة ليس من خلال وجودها كحقيقة مخفية لأن الحقيقة لو كانت ظاهرة لما احتجنا للبحث عنها واكتشافها ، والوصول إليها من خلال كائنية الكائن الإنسان وكينونة وجوده جوهر الإنسان وعالمه
(الفضائل الأخلاقية خلاف الفضائل العقلية ، هي نتاج التكرار الدائم للأفعَال الصحيحة)
هناك فرق بين من يصنعون التاريخ كـ (الأحرار)ومن يشتري له تاريخا كـ ( الطغاة) ، هناك من تكون الحقيقة وجوده وكيانه قبالة من يزيفون الحقائق ويصنع له وهما من اللاحقيقة ، أستقبلني بعتب (الأبوة) والسؤال ، بعتب المظلومية وسنوات الألم، كان بشوشا مرحبا بقدومي ، لكن مسحة الحزن لم تفارقه قال لي : أهلا وسهلا (لقد تأخرتم كثيرآ عن المجئ) شعرت بمرارة الإنتظار التي تختلج روح وذات السجين السياسي وهو قابع بين الجدران الرطبة وابواب الحديد المسمرة المغلقة والمطامير والدهاليز المظلمة ، أحسست وكأنه مازال سجينا لم تفارقه المحنة يسأل ؟ عن أحبته ومجاهدي وطنه ، أجلسني بقربه وقال لي : مرحبا بكم ، لقد أرسلت سلاما إلى الدكتور حسين السلطاني بيد أحبتي سجناء الديوانية ،فقد كان هناك موعداً لهم معه ، شجعت نفسي وقلت له : مولاي ، جلبت لك هدية باسم المؤسسة مجموعة من إصداراتها ، تورخ لفترة الظلم في حقبة صدام ، فأخترت كتابين وقلت له : سيدنا هذا كتاب طبع على نفقة المؤسسة رسالة دكتوراه بالشعر الحديث للسجين السياسي الدكتور (علي ثورة) فقد حصل على الدكتوراه بأمتياز، وقدمت له كتاب ديوان الأنشاء في العصر الفاطمي رسالة دكتوراه للسجين السياسي (كاظم ياسر) الذي أجاد دور الجنون لنحو أكثر من (10) سنوات في السجن وكان يسمى (المجنون) وهذا كتاب السجين السياسي الذي سجن ولم يبلغ سن الرشد (احمد رسن) الذي أصبح أديبا وقاصا مرموقا ،والفتى جواد عبد الكاظم الذي لم يبلغ ال (16) عاما والذي اعتقل وسجن لمدة عشر سنوات في المغلق أصبح استاذا في اللغة العربية وشاعرا مرموقا … نظر إليّ بحزن عميق وكله ألم وحسرة ، فقررت أن أساله عن اعتقاله وكيف حصل ومتى والظروف التي مر بها .
سيدنا أيدك الله كيف أعتقلت ومتى وما هي التهمة الموجهة لكم ؟
أعتقلت أنا وأسرتي من قبل أشباه رجال النظام في مديرية أمن النجف في 16/5/1986 الموافق السابع من شهر رمضان المعظم لسنة 1406 هـ بعد الإفطار خرجت من البيت لزيارة أحد الأخوة المؤمنين ، فأعترضوا سيري في الطريق وأعتقلوني ووضعوني في سيارة الأمن ، بتهم باطلة ولم يرعوا حرمة هذا الشهر الكريم ، وذلك للنيل من أسرتنا وشأنها الديني ، حيث كان والدي رحمه الله وكيل المراجع العظام كالسيد الإمام محسن الحكيم (رض) والإمام الخوئي (رض) والسيد عبد الله الشيرازي (رض) ، في تلك الأثناء تحركت السيارة تجاه دارنا ووقفت عند الباب وترجلوا من السيارة وقاموا بالطرق على الباب بقوة ووحشية في تلك اللحظة دفعوا الباب عنوة ودخلوا ، خلال الحديث هذا حدثت مداخلة من قبل ولده البكر ومدير مكتبه السيد محمد باقر الغريفي وهو من طلبة البحث الخارج عند والده وعند المرجع الشيخ الفياض (أيده الله) فقال : في سابقة خطيرة تحصل للأسرة وبعد الافطار وخروج والدي رعاه الله ، كانت الأسرة تقضي فترة راحتها بعد الأفطار ، لم نشعر إلا وطرقات قوية مرعبة على الباب ، وما هي إلا لحظات أقتحم مجموعة من رجال الأمن الدار يتقدمهم ضابط في أمن النجف أسمه المقدم (ص) وهو معروف من أهالي بغداد الكرخ ، وكان حاقداً على رجالات الدين والحوزة العلمية ، فدخلوا عنوة إلى داخل البيت مما أرعب الأسرة ، وكانت والدتي العلوية (رحمها الله) وأختي الكبيرة وأخوتي الصغار في البيت في أماكن متفرقة من الدار ، فقامت والدتي على عجالة بمنادتهم وجمعهم في مكان واحد تحسبا لأي طارئ يحصل وخاصة أن والدي رعاه الله خارج البيت ، فدخل الضابط (ص) ومجموعته وخلال لحظات قام بالإتصال عبر جهاز اللاسلكي بشخص مهم لا نعرفه ليبلغه بأن العملية (أنجزت) ، في تلك الأثناء قاموا بتفتيش البيت والغرف بدون مراعاة للحرمة ولكنهم لم يجدوا شيئا ، عند ذاك قال سناخذكم معنا ونبقي إبنتكم ، فردت والدتي بقوة وقالت له : إبنتي تبقى مع أخيها وإشارت إلي ، أو تأخذونا جميعا ، فقال : أذن سناخذكم ، بالفعل أقتادونا جميعا ، وعند وصولنا إلى السيارة الواقفة عند الباب رأينا السيد الوالد في السيارة مكبل االيدين لا حول ولا قوة ، فأصبنا بصدمة عندما شاهدنا السيد الوالد ، بعد ذلك أخذونا إلى مديرية أمن النجف ، هناك وضعوا والدتي وأختي الكبيرة وأخوتي الصغار في زنزانة ونحن في زنزانة ، بعد ذلك أخذوا السيد الوالد ووضعوه قرب الحمامات تنكيلا بشخصه الكريم ، لكنه كان صابراً محتسبا ، بعدها قاموا بضربي ، أخرجوني ووضعوني في الممر وقيدوا يدي وربطوهما بعامود مثبت في الجدار ، رأيت السيد الوالد وهو يتعرض للتعذيب من قبل رجال الأمن وكانوا متقصدين بوضعه قرب الحمامات وذلك للتنكيل بشخصه الكريم ، حاولوا في مديرية أمن النجف حلق لحية السيد الوالد زيادة في التنكيل لكنه رفض رفضا قاطعا وقال : الموت أهون علي من حلق لحيتي بيدكم ، والحمد لله لم يتمكنوا من ذلك ، وبعد فترة أخرجونا من مديرية أمن النجف وبقي السيد الوالد لأكثر من سنة ، بعدها أخذ إلى محكمة الثورة سيئة الصيت .
يقول سماحة السيد المرجع : بقيت نحو سنة كاملة في مديرية أمن النجف ولا أعرف ماهي التهمة المنسوبة إلي ، لحين قيامهم بترحيلي إلى محكمة الثورة اللعينة ومجرمها عواد البندر الذي حكم علي بالمؤبد بتهمة باطلة نسبت إلي ، بقيت في السجن المغلق لغاية 22/12/1991 بعد صدور العفو العام الذي أجبر عليه الطاغية صدام من قبل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان بعد الانتفاضة الشعبانية، ولم اشمل بقرارات العفو السابقة ، في السجن رأيت شابا يتوضأ ليتهيأ للصلاة ، عرفته وعرفني وأتي إلي ليسلم علي وقال لي سيدنا تتذكرني ، قلت له : نعم وكيف لا وأنت الذي أعلنت أسلامك في حسينية الكريمات، بحضور والدي السيد موسى الغريفي (رحمه الله) ، رغم كل الظروف الصعبة في تلك الزنازين مارست دوري الديني والأبوي ، في السجن أضربنا عن الطعام وطالبنا بأن يكون الطبخ بأيادي مسلمة تطبق الشريعة ، أقمت صلاة الجماعة لفترة طويلة ونجحنا في جعل السجن مدرسة دينية للهداية والاصلاح رغم أنف صدام المجرم وأعوانه الذين حاولوا أن يجعلوه مدرسة بعثية ، ولا أنسى دور سماحة المرجع الديني الكبير الفقيه المرحوم السيد محمد سعيد الحكيم وأولاده في السجن في تبصير المؤمنين ، وأنا في السجن أقمت فاتحة للمرحوم السيد يوسف الحكيم نجل الإمام السيد محسن الحكيم (رض) وقد حضر آل الحكيم مراسم العزاء التي أقمتها ، في بداية السبعينيات أنتقل إلى رحمة الله الإمام الحكيم (رض) أقام والدي فاتحة للسيد رضوان الله عليه في حسينية الكريمات العائدة لوالدي في كرخ بغداد كان واقفا معنا رجل متدين مصلي طيب ، لكن ابنه كان ضابطا في الأمن ،وكان يكن العداء لرجال الدين ويحاول بكل الطرق الإساءة لهم ، قلت له : لماذا تفعل عملا كهذا ؟ يقول : هذا واجبي ، كنت أشعر ببغضه ، فاقول له ، هذا والدك رجل صالح مؤمن ، يقول لي : لا تكلمني عن والدي ، أنا والدي أمي ، للأسف كانت والدته من أشد المتزمتات والتي تحاول بأي وسيلة أن تعلن أخلاصها للبعث الكافر، كما قلت لكم ، حوكمت ولا أعرف لماذا سجنوني ، والحقيقة كانوا يريدون إذلال رجال الدين والتنقيص من علو شأنهم ومكانتهم في نفوس الناس والمجتمع الأسلامي .
سماحة السيد المكرم أعزك الله ، هل من كلمة تقولها ؟
أجل أطالب مؤسسة السجناء السياسيين والأخوة السجناء السياسيين كافة والحكومة بسلطاتها بالوقوف وقفة جادة بالدفاع عن حقوق السجناء السياسيين واستحصالها كما نص عليها القانون والدستور والقانون الدولي ، وأشيد بدور رئيس المؤسسة وعمله ، لكن قال بحسرة سماحة السيد ، لا ناصر ولا معين لهذه الشريحة المظلومة ، مشيدآ بدور رئيس مؤسسة السجناء السياسيين في الدفاع عن حقوقهم .
ومما تجدر الإشارة إليه فقد مثل السيد لعديد من مراجع عصره حيث منح الثقة بكفاءته وورعه ، في تلك الفترة أواسط وأواخر الستينيات وبداية السبعينيات إجازات ووكالات عامة ومطلقة من مراجع عصره، ليكون ممثلا عنهم في بغداد ومناطقها وإماما للجماعة في حسينية والده حين تخلفه عنها آنذاك في الأسفار ، فقد حصل على وكالتين من فقيه عصره آية الله العظمى السيد محمود الحيني الشاهرودي ومن مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (رض) وكالة شفهية قبيل وفاته بفترة لابأس بها ، وكذلك من زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي وكذلك من آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشاهرودي وآية الله العظمى السيد نصر الله المستنبط وآية الله العظمى السيد عبد الله الشيرازي وآية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري وآية الله العظمى الشيخ ميرزا الغروي وآية الله العظمى السيد علي البهشتي .
وقد شجعه آية الله العظمى السيد البهشتي (قدس) في أواسط سني التسعينيات على التصدي بفسحه مجال مراجعة المؤمنين وبقية الناس له لإفادتهم بعلمه ، وقد استجازه بالرواية جمعا من العلماء من الذين ذكرناهم وكذلك استاذه الحجة آية الله الشيخ فاضل النكراني أجازة تحريرية والمحقق الشهير الشيخ محسن المعروف بـ أغا برزك الطهراني شفاهة ، ومن مؤلفاته : رسالة عملية مختصرة مسماة المسائل المنتخبة من غنية المتيقن في أحكام الدين ، وزبدة المسائل وهي رسالة عملية مختصرة ومختصر أحكام الصوم وغنية الناسكين في أحكام الحجاج والمعتمرين وغاية المسؤول التكليف بالفروع للكفار بالأصول وحواشي فتوائية على بعض الرسائل العلمية منها على منهاج الصالحين للسيد الخوئي وجامع الأحكام للسيد السبزواري والفقهيات بين الاستفتاءات والإجابات ، فضلا عن تقارير وبحوث أساتذته الفقهية والأصولية…..الخ
في ختام اللقاء أوصى المرجع أيده الله جميع العاملين في المؤسسة بالدفاع عن هذا الصرح الإنساني لأنه بالدفاع عنه هناك نصرة للمظلومين .
Post Views: 1٬689