بيت الحكمة في العراق… منارة حضارية تتجدد عبر الفكر والحوار

فاضل الحلو

في قلب بغداد، وعلى أرضٍ شهدت ولادة الحضارة وتاريخًا حافلًا بالعلم والعلماء، يقف بيت الحكمة شاهدًا على قدرة العراق في الحفاظ على إرثه الفكري وتطويره بما يتلاءم مع تحديات الحاضر وآفاق المستقبل.

فمن مؤسسة تاريخية ازدهرت في العصر العباسي إلى مركز علمي وفكري معاصر، يستمر بيت الحكمة في أداء رسالته كمحور للتنوير والنقاش والإنتاج المعرفي.

 إرثٌ فكري يتجدد

لم يكن تأسيس بيت الحكمة في العصر العباسي مجرد بناءٍ لمكتبة أو مجلس علم، بل كان إعلانًا عن ولادة عقلٍ حضاريٍ إسلامي عالمي، أسهم في الترجمة والتأليف والمناظرة.

واليوم، يعود هذا الصرح في ثوبه المعاصر ليعيد تعريف ذاته، ليس كمتحفٍ للماضي، بل كمنصةٍ لتوليد الأفكار وبناء الوعي، في وقتٍ يحتاج فيه العراق والمنطقة إلى صوت العقل والانفتاح والمعرفة.

ورش وندوات… تأسيسٌ لمنبر وطني موسّع

استطاع بيت الحكمة في السنوات الأخيرة أن يُثبت حضوره على الساحة الفكرية والعلمية عبر سلسلة ندوات وورش علمية رصينة، ناقشت قضايا مركزية تمس حاضر العراق ومستقبله، مثل الهوية الوطنية، الحوار الديني، تجديد الفكر السياسي، والتنمية الثقافية.

ولم تكن هذه النشاطات مناسبات بروتوكولية أو نخبويّة، بل كانت منابر حقيقية لطرح الرؤى ومناقشة البدائل واستيعاب التعدد الفكري، وهو ما ساعد في التأسيس لمنهج فكري يجمع بين الأصالة والتجديد، وبين الانتماء والانفتاح.

 حوار مستدام… وجسر بين الأجيال

يلعب بيت الحكمة اليوم دورًا محوريًا في ربط الجيل الجديد من الباحثين والمفكرين بتاريخ العراق الثقافي والفكري، كما يسعى إلى خلق بيئة علمية تتيح التفاعل بين الخبرات المتراكمة والطموحات الشابة.

وبينما يشهد العالم العربي حالة من التفكك المعرفي والانغلاق، يشكّل بيت الحكمة حالة استثنائية من الاستمرار الفكري، وجسرًا للحوار بين الجامعات، مراكز البحوث، ومؤسسات الدولة.

 نحو دور أكبر في صناعة القرار الثقافي

إذا ما تم دعمه بالشكل الكافي من الدولة ومؤسساتها، فإن بيت الحكمة مؤهل ليكون بيت خبرة وطنيًا يُسهم في صناعة القرار الثقافي والفكري، من خلال أوراق السياسات، الدراسات الاستراتيجية، وتقديم الرؤى بشأن مختلف القضايا الاجتماعية والدينية والتعليمية.

ختاماً .. بيت الحكمة ليس مجرد مؤسسة، بل روح حضارية متجددة، تشهد أن العراق كان – ولا يزال – مصدر إشعاعٍ فكري وإنساني عابر للحدود.

وفي زمنٍ تتعدد فيه التحديات، يبقى الفكر هو السبيل الأنجع للنهضة، وبيت الحكمة هو رهان العراق على وعيه وثقافته وهويته الحضارية.