
حكمت البخاتي …
الوظيفة النيابية ليست مجرد تمثيل للشعب وهو ما يتوقف عنده التعريف التقليدي لهذه الوظيفة بل هي تمثيل أعمق من هذه الشكلية القانونية وتمتد الى تمثيل الافكار والتصورات والتوقعات والرغبات التي يتمثلها الشعب في ماهيته السياسية والاجتماعية من هنا تتكرس الوظيفة النيابية في علاقة الفرد – النائب بالشعب المنوب عنه ، وهو ما يشترط في النائب القدرة الفكرية والثقافية التي تمنحه امكانية البحث والتحليل في طبقات الافكار والتصورات والتوجهات التي يصوغها الشعب في لائحة المطالب التي يمثل امتثالها وتنفيذها الغاية من الوظيفة النيابية تحت قبة البرلمان .
فلم يعد الشعب مجرد وشيجة أو صلة تمرر من خلالها العلاقات أو الانتماءات العرقية والمصالح والرغبات بل صار الشعب مجموعة من الانتماءات الفكرية والأيدلوجية الرابطة بين وشائجه ويجد فيها التعبير عن هويته وشخصيته ومن ثم مطالبه وهكذا أصبحت المطالب الاجتماعية والسياسية تبنى وفق الافكار والايدلوجيات وتخطت عتبة الحقوق الفردية الصرفة وهو مايؤدي الى توسيع متن وهامش المطالبات من المعيشية الى الحقوق السياسية والثقافية لاسيما في هذا العصر الذي يعد عصر الجماعات الثقافية والاثنيات العرقية والتي تبوأت امكانية او استحقاقات التمثيل للفرد – المواطن أو قد حلت بديلا عنها لاسيما في المجتمعات المتعددة الهويات والاثنيات وهي حالة بدأت تتكرس في المجتمعات التقليدية أو المجتمعات التي أصابها العطب في هويتها ووحدتها الوطنية وصار بناء الهوية الوطنية يمر عبر تبني حقوق هذه الجماعات والاثنيات في الديقراطية اللبرالية وهنا صار النائب أو عضو البرلمان مطالب بالخروج من شرنقة الانتماء الاحادي الى الانتماء الجمعي للشعب بجماعاته المتعددة وإثنياته المنتشرة وضرورة اشتغاله في البناء الجماعي للهوية الوطنية من خلال الانخراط في التفاعل مع هذه الخريطة الاجتماعية والسكانية للشعب وهو ما يتطلب وعيا علميا وثقافيا لدى النائب البرلماني بالهويات الثقافية والاجتماعية وبلورة وتأمين المطالب التي تؤمن بها بشكل يكرس مفهوم الهوية والوحدة الوطنية لكنه يشترط قبل ذلك تامين مصادر هذا الوعي في العلوم الحديثة والمتخصصة لاسيما علم الاجتماع منها .
ثم يبرز لدينا مفهوم الطبقات الذي هو تعبير عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الدولة والمجتمع ، فالطبقات تشكل النسيج الاجتماعي للشعب في علاقته الاقتصادية وتراتبيته الاجتماعية مما يجعل أوضاع الطبقات ومشاكلها في صلب اهتمام النائب البرلماني ولذلك يجب ان يتوفر على خيرة شخصية وثقافية بهذه الطبقات وهو ما يسمح له باختبار افكار وايدلوجيا ومطالب هذه الطبقات وحدود ومدى مطابقتها أو تطابقها للشرعية القانونية والدستورية وامكانية العمل على انجازها بعد ذلك ، وهو ما يستدعي جملة من المؤهلات والعوامل المساعدة في انجاز هذه المهمة .
وابرز هذه المؤهلات هي اطلاع النائب البرلماني على المنهجيات العلمية والتطبيقات الحديثة في دراسة ظروف واوضاع المجتمعات والشعوب ولعله يقف في طليعة تلك المنهجيات والدراسات الحديثة هي ما توفره نظريات وافكار علم الاجتماع الذي يتشكل من عناصر عديدة فالثقافة والنظام الاجتماعي والعمليات الاجتماعية والنسق الاجتماعي هي من أهم اشتغالاته التي يستعين بها السياسي او الموظف الكبير في الدولة في بناء وتنظيم المجتمع وتختزن امكانية بناء الهوية الوطنية بالنسبة للأداء السياسي العلمي للنائب البرلماني .
وقبل ذلك فان المادة والوظيفة في علم الاجتماع هو المجتمع ووظيفة النائب البرلماني وعمله هو المجتمع مما يسمح ذلك التطابق في الحقل بالتزود من مؤنة علم الاجتماع بالنسبة الى النائب البرلماني لاسيما فروعه الاكثر تخصصا والاحدث تطورا وهي مجالات الرعاية التي تتعدد مستويات الاشتغال عليها كمجالات محددة علميا واداريا وابرز اشتغالاتها الادارية هي مجال الرعاية الاجتماعية ورعاية المسنين ورعاية المعوقين ورعاية الشباب وهذه الرعاية تدخل في صميم عمل النائب البرلماني وصياغة التشريعات التي تمس الجانب الانساني والمعيشي في حياة هذه الفئات وهناك علم الاجتماع الصناعي ويدخل في مستوى الاشتغال عليه أكاديميا واداريا مسائل البطالة والتقاعد والفراغ والمهن الحرفية ودراسة شبكة اثارها وعلاقاتها وماتشكله من بُعد في بناء المجتمع والدولة وهناك نكتة دقيقة على النائب البرلماني ان يدركها في المهن الحرفية وما تحمله من تراث توحيدي للمفهوم الوطني وهنا نطرحه كمثال بسيط على أهمية علم الاجتماع في ادائه الوظيفي والعملي ، وهناك فروع أخرى لايمكن استيعابها كلها في هذه المقالة ومنها علم الاجتماع التربوي والبدوي والحضري والريفي والديني والسياسي والقانوني وهي كلها تشكل في ضرورتها ابجديات العمل التشريعي الحديث من أجل ان تصاغ التشريعات والقوانين برؤية علمية ومنهجية معرفية دقيقة بل ان هناك برامج اعداد القادة والمديرين وهي ذي صلة بعلم الاجتماع ويستطيع من خلالها النائب البرلماني بناء شخصيته وتكوين أساليب وروح القيادة في شخصه وهو ما تفرضه الوظيفة النيابية ومزودها في علم الاجتماع .
Post Views: 3٬670