د.كريم شغيدل …
في الثاني من آب 1990 حين قام الطاغية بغزو جارتنا الكويت، التي مرت ذكراها قبل أيام، كان أكثر من نصف الجيش العراقي في حالة هروب، وقد تناقل العراقيون فتاوى تحريم سرقة الأموال الكويتية وتداولها بيعاً وشراء، وما أن مني الدكتاتور بهزيمة بعد ما سمي بعاصفة الصحراء حتى هبت جموع العراقيين في انتفاضة شعبية عارمة جوبهت بالقمع والتنكيل ودفن الأحياء في مقابر جماعية، وكل الوقائع تشير إلى حقيقة واضحة هي إن العراقيين بصورة عامة شعب مسالم، ولا يكن للكويت إلا الحب والتقدير واحترام الجوار وعلاقات النسب والأخوة.
وكذلك مرت علينا يوم أمس في الثامن من آب الجاري ذكرى وقف إطلاق النار مع الجارة إيران، بعد حرب ضروس استمرت ثمانية أعوام، أعدم النظام خلالها آلاف الشباب ممن هربوا من الخدمة العسكرية، ليس خوفاً من الموت، بل من باب الرفض لتلك الحرب التي افتعلها النظام بدفع من أميركا وحلفائها في المنطقة، وفي هذا اليوم عبر العراقيون عن فرحتهم بنهايتها.
وخرجوا للشوارع يلقون الماء على بعضهم البعض في واحدة من أهم استحضارات الرمزية الأسطورية للماء، الثاوية في التفكير الجمعي العراقي، بوصفه رمزاً للنماء والسلام والخير، فالأم تلقي بالماء خلف ولدها المسافر أو الذاهب للحرب، وتلقي الماء على وجوه أبنائها لتبريد أعصابهم حين ينفعلون لخطب ما، وصاحب المحل يرش باب دكانه طلباً للرزق، وكذلك عادة العراقيات التي اختفت تقريباً برش عتبات البيوت والأزقة لتلطيف الجو وطرد الشر والتفاؤل به، كما يرش ماء الورد على الرؤوس في المناسبات.
حربان مدمرتان وحصار اقتصادي دفع الشعب العراقي أثمانها، أعقبها احتلال جلب ما جلب من إرهاب وفتن وتردٍ عام وفوضى، أنتجت كل ما نحن عليه وما مر بنا من عنف وفساد وسوء في إدارة البلاد، ويتحمل النظام الدكتاتوري المباد الوزر الأكبر، إذ ما نزال ندفع ثمن سياساته التخبطية الرعناء والمنزلقات التي أوقع فيها العراق والمنطقة، ومن يا ترى دفع ثمن الحصار الاقتصادي؟! هل دفعه صدام وأسرته وأبناء عمومته الذين كانوا يلعبون بالملايين ويقضون جل أوقاتهم بين الطبالين والزمارين وراقصات الغجر؟ أم دفعه المواطن العراقي جوعاً وإذلالاً وقهراً؟ ففي الوقت الذي كان فيه المقبور صدام يشيد القصور الرئاسية ويختار لها أفضل المواقع وينفق على بنائها الأموال الطائلة.
كان المواطن يتضور جوعاً، وكذلك الإيرانيون شعب مسالم ويحب الحياة، والآن تتكرر معه لعبة الحصار الاقتصادي، بالآليات التي استخدمت ضدنا نفسها، وإذا كان صدام قد عالج الأمر بطبع العملة وبمزيد من التضخم الذي أرهق المواطنين، فإن لإيران اقتصاد قوي، يمكنها من مواجهة الحصار، وإذا كان هناك ثمن فسيدفعه الشعب الإيراني، فهل هذا تمهيد لغزو إيران كما يحلم البعض؟! وإلى متى تدفع الشعوب ثمن سياسات أنظمتها، أو عدم خضوعها للإرادة الأميركية؟ ألا توجد حلول غير معاقبة الشعوب؟!
Post Views: 2٬600