عباس الصباغ …
تعود بي الذاكرة الى حدث قريب وقع إبان اشتداد ضراوة الحرب الضروس ضد {داعش} وفي الموصل تحديدا ، ويخص التدخل التركي الجزئي في شمال العراق وعلى مقربة من المعركة ، فقد كان بعض النشطاء السياسيين يطالبون بانتهاج اسلوب القوة العسكرية لطرد تلك القوات من التراب الوطني ، لاسيما ان هذا التدخل حدث اثناء انشغال الجهد الحكومي بالحرب، والجميع يتذكرون اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بجميع انواعها فضلا عن شاشات الفضائيات بسيل من “التحليلات” السياسية والامنية والعسكرية وحتى الاقتصادية واكتظت تلك المواقع والقنوات بهوس صاخب يعيد الى ذاكرة العراقيين الحروب التي اشعلها النظام السابق مع دول الجوار ولأسباب قد تحل عن طريق الحوار الايجابي والبناء لكن ذلك النظام تصرف معها بشكل بعيد عن الاعراف الدولية ومبدأ حسن الجوار التي يفترض العمل بها حتى مع وجود مشاكل عالقة او مستعصية ، فالكثير من الدول خاصة المتجاورة منها او التي ترتبط فيما بينها بعلاقات تاريخية ربما تشهد تلك العلاقات فترات كساد او توتر وبحسب المعطيات الدولية او الاقليمية وحتى الداخلية لهذه الدولة او تلك وحسب تغير الامزجة والمناخات السياسية والايديولوجية وكما معروف في علم السياسة انه لاتوجد عداوات او صداقات دائمة بل مصالح مشتركة ، فكل العلاقات تحركها تلك المصالح وهذه تتغير حسب الظروف والمعطيات.
وليس من مصلحة العراق في اي وقت وتحت اي ظرف سلوك سبيل التصعيد المفضي الى زيادة الاحتقان والتشنج مع اية دولة واللذين تكون نتائجهما المزيد من الخراب الاقتصادي والمعاناة للشعوب ان لم تكن مزيدا من اراقة الدماء بينها ، كما حصل في الحقبة الصدامية سيئة الصيت ، والطريق الصحيح هو عدم الارتجال في اتخاذ القرارات خاصة المصيرية منها والتأني فيها فضلا عن اللجوء الى القنوات الدبلوماسية و الدولية للاحتكام ان كان ثم نزاع يستدعي تدخل المنظمات الاممية لحله او لوضع خارطة طريق لذلك ، فاي قرار متسرع او خاطئ غير مبني على اسس جيولوتيكية صحيحة تجاه دولة اخرى سيجلب الخراب للجميع.
توخّى الانفتاح البراغماتي للسيد رئيس الوزراء د. العبادي على المحيط الاقليمي، التأكيد على تطوير العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين العراق ومجاله الحيوي ومنها تركيا التي ترتبط مع العراق بعلاقات تاريخية ومصالح اقتصادية مهمة ومن المتوقع ان يتم رفع حجم التبادل التجاري بينهما الذي يبلغ حاليا 11 مليار دولار”. فتركيا بلد شرق اوسطي مهم وفاعل للعراق وللمنطقة .
ولايختلف اثنان في ان الانفتاح الحذر الذي يمارسه العراق مع مجاله الاقليمي والحيوي مع عدم التورّط في سياسة المحاور والانسياق في تحالفات سيا / طائفية مريبة، هو بالتأكيد يصبّ في مصلحة الشعب العراقي فليس من مصلحة العراق ان يمارس سياسة الانعزال بحجة الابتعاد عن المشاكل التي يسبّبها له الاخرون، وليس من مصلحته ايضا الاندفاع الزائد عن الحدّ في علاقاته مع مجاله الحيوي تحت ذريعة الحاجة الى الاخرين لأسباب شتى وكلا الامرين أضرّا بالعراق، والطريق الاسلم لذلك هو انتهاج سياسة الاعتدال والوسطية وعدم الانجراف في لعبة اللوبيات الاقليمية.
لذا كانت مصلحة العراق مع اقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار او محيطه الخارجي وعدم الانكفاء على ذاته، خاصة وان حاجة العراق الان الى محيطه الحيوي هي اكثر من اي وقت مضى في الكثير من الامور سواء الامنية منها او الاقتصادية او الاستثمارية لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها: الامن القومي والاقتصاد الوطني والاستثمار الخارجي وملف المياه الذي سبب معاناة كبيرة لجميع العراقيين لاسيما في الجانب الزراعي والاروائي ومن هذا المنطلق جاء لقاء العبادي التاريخي مع القيادة التركية والذي استهدف تعزيز التعاون بقضايا الطاقة والاقتصاد.
وكان الامر يستدعي مشاورات على مستوى القمة وهذا ماحصل لاهمية الموضوع خاصة بعد تشغيل سد اليسو التركي وما رافق ذلك من حدوث جفاف غير مسبوق اثّر على مجمل الحياة المعيشية والقطاع الزراعي والاروائي في العراق وكانت للبعض ردود افعال غاضبة وحادة ايضا واكتظت كعادتها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام بما لايحصى من “التحليلات” و”الحلول” افتقرت اغلبها الى الجانب الفني والسياسي وحتى القانوني الا ان رئيس الحكومة د. العبادي وفي زيارته الاخيرة الى انقرة استطاع ان يستحصل على حصة العراق الاروائية كاملة من الجانب التركي فقد تعهد الرئيس التركي اردوغان بحصول العراق على حصته بالكامل من المياه وباتخاذ اسلوب الحوار الجاد والبناء المدعم بدبلوماسية هادئة وناضجة.
Post Views: 2٬672