المحرر الاعلامي ….
مثّل السجناء السياسيون الحالة النخبوية في البلد في أيام المعارضة السياسية في قبالة نظام الحكم الدكتاتوري وقد تحولت تلك المعارضة الى مواجهة شرسة مع أساليب النظام البوليسية والتي تظل تمثّل الانتهاكات الأسوا في التاريخ المعاصر لحقوق الانسان .
ولقد كان السجين السياسي ينطلق من مبادئ وأفكار أو عقائد سياسية في تشكيل مواقفه المعارضة وفي استدامة المواجهة مع الدكتاتورية وكانت تلك العقائد السياسية تغذيها القراءات المحترفة للتاريخ والثقافة وهي القراءات التي تشكل شرط النخبوية وتهيأ الحالة النخبوية تاريخيا في تشكيل الطبقة المثقفة والواعية والتي يحكمها الوعي في تشكيل الرؤى والمواقف المعارضة للسياسات الدكتاتورية التي انتهجها نظام الحزب الواحد والتي كرست لسياسات صارت غير عابئة بمصالح الوطن وقضايا الشعب بل ترسخت فيه اللامبالاة الى الحد الذي كاد ان يلغي الوطن من الجغرافيا عبر الهبات غير المشروعة للأرض التي كان يقدمها النظام لدول الجوار والمعاهدات المخلة بشرف الانتماء الوطني وهو ما تستبطنه العقيدة الدكتاتورية التي كادت أن تلغي الشعب وتحوله الى حقل من الاملاءات المغتصبة لآرائه وتختفي فيها الارادة الوطنية لتحل محلها إرادة الحزب الواحد بل ورغبات الدكتاتور ذات العاهات النفسية والنرجسية التي تخل بالمستوى النفسي والسلوكي لدى هذا الدكتاتور .
ومن بين تلك الاملاءات القسرية وسياسات التغييب لإرادة الشعب بل وللشعب بما هو شخصية تاريخية وهوية اجتماعية – سياسية وكذلك قانونية في ظل العلاقة بالدولة برزت النخبوية العراقية لتمارس دور المعارضة السياسية بإزاء هذه السياسات التي تهدف الى التغييب الكلي لكل ما هو عراقي وبكل حالاته الثقافية والاجتماعية والسياسية، ولأن نظام البعث نظام الحزب الواحد لا يسمح بكل هذه التعددية وتفكيره الدكتاتوري يصهر كل مظاهر التنوع الثقافي والفكري ببوتقة العقيدة القوموية والقاصرة حتى عن الرؤية التنويرية الق ومية وهي ما جعلت من المواجهة أمرا حتميا ومسؤولية وطنية وانسانية حملت لواءها وتبنت رؤاها وتمسكت بمطالبها مجموعات النخب العراقية وبكل اصنافها اسلامية ويسارية ووطنية فانتهت الى المصير الذي تقف عند حدوده كل المعارضات السياسية في ظل الانظمة الدكتاتورية وهو الوقوف في أقفاص الاتهامات أمام محكمة غير شرعية وغير دستورية لتمرر المزاج النرجسي للدكتاتور ومن خلفه الرغبة غير السوية في التكوين النفسي لقيادات وافراد الحزب الحاكم .
وكان السجن واحدا من تلك المحطات النضالية التي مرت بها النخب السياسية العراقية وهو ما وفر لها نوع من التشكل التاريخي كطبقة مناضلة وشريحة اجتماعية – سياسية نتجت عن وشائج العلاقات الثقافية والاجتماعية التي نشأت في أجواء المعتقلات في دوائر الأمن والسجون في أقسام الأحكام الخاصة في سجن بغداد المركزي / أبو غريب .
وكان يسبق ذلك أو يمهد الى هذا التشكل التاريخي هو الوعي والالتزام الثقافي والمبادئي الذي كانت عليه تلك النخب في أيام المعارضة وفترة نشر الوعي وبمختلف اتجاهاته الذي تبنته تلك النخب السياسية في العراق في مرحلة ما قبل صعود الدكتاتور الى الحكم في العام 1979م .
Post Views: 2٬565