د.حميد الطرفي …
ليس هناك من ديانة سماوية ولا وضعية ولا جماعة سياسية ولا تيار ولا حركة تغييرية أو اصلاحية إلا ودعت إلى محاسبة الذات ونقدها ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ) . الخلوة مع الذات بناء لها وتجذير لمعاني الخير والسمو فيها.
في حضارة اليوم ننشغل عن الخلوة بذواتنا والتأمل في أنفسنا والتفكير العميق فيما يصلح وفيما يُفسد ، فلا غرابة أن نجد أفكارنا سطحية ونقدنا لغيرنا مبالغ فيه ، نسب ونشتم ، ونتهم ونلوم ، ونقذف ونُشهِّر لسبب أو من دون سبب في حين أن ( من اشتغل بنفسه شُغِل عن معايب غيره ).
في عالم اليوم نحمل أجهزة في جيوبنا أقل من حجم الكف ، تصلنا عبرها آلاف الرسائل والصور والفيديوات عبر الواتس اب والفيس بوك والگوگل بلص والانستغرام والتليغرام ، ناهيك عن عشرات التطبيقات الأخرى التي ما إن نحملها حتى تتوالى علينا الإشعارات بصوت أو بدون صوت.
لم يعد لنا وقت لتصفح رسائل مهمة ربما دعوة لاجتماع أو إعلام بوفاة أو أوامر تتعلق بعملنا ؛ فكيف لنا أن نخلو بأنفسنا لنراجع هفواتها ، زلاتها ، أين لانت ، وأين صلبت ، أين قاومت وأين انجرفت ؟ نتأمل ماذا لو عُرضت عليها أموالاً سائبة فهل تعف عنها ،؟ ولو حصلت على منحة بغير حق فهل سترفضها ، وتنبه المسؤول إلى من هو أحق منها فيها ؟، ماذا لو جردت من منصب أو جاه حصلت عليه فهل ستكون به أو بدونه على نفس الحال ؟ هل هي في الغنى كما هي في الفقر ؟ وهل هي في البلاء كما هي في الرخاء ؟
أظنني وكثير مثلي لم يسعفه التوفيق في أن يتأمل مثل هذه التأملات مع نفسه . لقد اتخمتنا صور ومنشورات واخبار وأحداث وعواجل يومية ، جميلة وقبيحة ، عميقة وسطحية ، نافعة وضارة ، لكنها جميعاً لا تغني عن ساعة تأمل في اليوم ، قبل النوم ، أو بعده.
حجر الكورونا ، منع التجوال ، كان فرصة مناسبة ، وشهر رمضان فرصة أنسب ، فالجو العام يوفر مثل هذه الفرصة ، فرصة لنتحسس آلاماً شتى ، لفقراء ومحتاجين ، ومرضى وأيتام ومعاقين وعاطلين ، فمظاهر حضارة اليوم ألهتنا كثيراً عنهم ، ولا سبيل لغسل أدران النفوس الا بالتأمل .
وأطرف ما في التأمل والخلوة مع الذات أنك ما إن تخلو مع ذاتك حتى يأتيك أحد أفراد عائلتك ، مابك ؟ ( أشو صافن ) ؟ هل من مشكلة ؟
إذ اختلطت مظاهر هموم الحياة بلحظات هذه الرياضة العظيمة ؛ فلا غرابة أن تجد البعض يفر خارج المنزل فيرتاد بستاناً أو متنزهاً أو مكتبةً أو مسجداً ؛ ليتأمل فيه ذاته ويتحسس صفاتها ثم يعود . دعونا نعود لذواتنا ؛ فنحن بأمس الحاجة لذلك.
Post Views: 1٬660