فاضل الحلو …
كلَّما تجدَّدَ موسمٌ عاشوراء، تجددت معه مظاهر الاستذكار الحزين لواقعة الطف؛ تجدد جدلٌ حول هذا الاستذكار وتمظهراته والصور التي يعبر بها الإنسان عن حزنه وألمه.
وقليل من هذا الجدل نراه مفيداً ومعرفياً حتى مع اختلافه سواء مع أصل الممارسة، أو مع الذين يقيمون هذه الممارسة، ولهذا النوع من الاختلاف القليل فوائده في الحقيقة؛ لأنه سيزيد من فاعلية قضية استشهاد الإمام الحسين (ع) في الوجدان الإنساني.
ونلاحظ ان هناك خلط غير معرفي، وخصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي متخذاً بُعْدين اثنين أحدهما سياسي، وآخر اجتماعي.
السياسي منه معروف المقاصد، حيث أن الممارسات التي تقام استذكاراً للحسين الثائر على مظاهر الظلم، واستعباد الإنسان، والباذل دمه في سبيل تحريره، تمثل هاجس قلق مزمن للسلطات التي تنتهج الطرق الملتوية للتشبث بالسلطة، واللعب بمقدرات البلدان والشعوب؛ لذلك فمن الطبيعي أن تقابل تلك الممارسات برؤية مخالفة ومعاكسة.
أما البعد الاجتماعي، وهو الذي يهمنا في الحقيقة؛ فإنه يُحَرَّك من قبل أوساط نخبوية ــ العراق أنموذجاً ــ تنقسم بين نخبويين يميلون للنظريات والأفكار التي انطفأت ، أو من أوساط تحب ممارسة مقولة (خالف تعرف) بقصد إرضاء جهات أو مؤسسات تقف بالضد من تفاعل مظاهر الاستذكار العاشورائي.
وفي الحالتين، نرى أن هذه النخب التنظيرية ابتعدت بمسافات شاسعة عن رصد النقطة الوسطية التي تمثلها قضية عاشوراء، وهي النقطة التي تمثل اللقاء الطبيعي بين العاطفة البشرية، وأفكار الإنسان القابلة للتجدد والتطور. أما المناداة بفصل العاطفة عن العقل وكأننا في محاولة يائسة لإحياء نظرية (فردانية العقل)؛ فإن هذا المسعى لايقدم للنخبوي غير المزيد من العزلة عن الملايين الذين يؤكدون حاجتهم الروحية لممارسة الفعاليات الحسينية.
المخالفون لشعائر وطقوس الحزن العاشورائي والذين يرددون دائما من أن هذا الحزن يورث الذل والهزيمة والانكسار؛ ذلك لأنهم لم يتعمقوا في العبارة الشهيرة (كربلاء عَبرة وعِبرة)، فكثير من الثورات التي أعقبت ثورة الإمام الحسين كان أبطالُها من الباكين على مصابه، والمستلهمين لقيم رفضه وأخلاقه ومروءته.
Post Views: 1٬271