
فاضل الحلو …
الانسان أي انسان، فرداً أم جماعة لا يمكنه أن يعيش خارج بيئتهِ أياً كان الزمان أو المكان ، ولذلك فهو مرتبط بالعالم وبتغيراته المتسارعة على كل صعيد ومستوى ، وان حدث ذلك وعاش في عزلة انتهت بهِ هذه العزلة الى العجز في تطوير حياته وأدواته وحاجاته، ومن ثم وقع في الجهل ، اذ ان الحياة بكل متطلباتها تفرض على الانسان والشعوب عملية التواصل فيما بينها / وهو التواصل الذي لايتم الا بالحوار ، بل ان الحوار يمكن ان يكون ذاتياً بين الانسان ونفسه.
ومهما كانت قيمة الحوار الذاتي فان النية لن تتجه اليه بل ستتجه نحو الحوار مع الآخر،فرداً أو جماعة ، دولة أو أمة موافقاً أو مبايناً أو مغايراً في حالتي السلم والحرب ، والحوار مع الآخر قديم قدم البشرية وينبثق من اعتراف كل طرف بالآخر واحترام كل طرف للآخر،وعدم الوقوع في استخفاف أي منهما للآخر في منزلتهِ وثقافته وجنسه ولونه والايمان بالندية والمساواة في منزلة الطرفين، اذ لا يجوز الانطلاق من العصبية والهوى ، أو الهيمنة والتسلط ، كما ينبغي الانفتاح على الآخر نفسياً وفكرياً وموضوعياً ، وعدم وضع شروط مسبقة لمراجعة أي مسالة أو موضوع، وعدم اللجوء الى قوة الحجة والتفوق بالحديث لاثبات الذات على حساب الآخر مضافاً اليها الوعي بالذات واعتماد الرغبة في الحوار والثقة بهِ وتبني القيم في الوصول الى أهداف مشتركة تنفع الجميع.
فالحوار بهذا المبدأ يحقق العدالة ويبعده عن السقوط في الجدل العقيم غير المنتج ، والحوار ينبغي أن يقوم على نظام خلقي راقٍ للوصول الى وظيفته وهدفه ، فما كان الحوار أداة تواصل وتفاهم واستيعاب ومراجعة مفيدة للانتقال الى ما فيه خير المتحاورين إلا إذا كان على الطرفين معرفة قواعد الحوار وعدم الجهل بها.
ثم ان الحوار يستند الى وظيفة وهدف محددين بوصفهِ يدور على مدارات عدة : خلقية واجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية، ومن ثم يستمد مكوناته من طبيعته ومادته ومن معاييره التي تبعده عن مجرد الحوار للحوار كما يحدث في عالم اليوم لدى بعض الدول التي تقبل بالحوار للايهام والتضليل بينما تنوي شيئاً آخر ، فحينما يصمم كل طرف على أن يغلب رأيه على رأي الآخر فانه يقع في مناقضة صريحة لمعايير الحوار العقلاني.
فالحوار وفق هذا التصور ينتج تعاوناً ايجابياً فيما هو متفق عليه، والا فعلى كل طرف أن يعذر الآخر فيما اختلفا فيه وألا يجعلاه سبباً للفرقة والاقتتال ، وثم ان قصور التصور أو الجهل به وبقواعده يؤدي الى حالة من الكراهية والحقد واستثارة الشر بالعنف وفي اضعف الحالات يؤدي الى القابلية والرضى بكل ما يفرضه الآخر.
اليوم العراق بحاجة للغة الحوار وعليه لابد من تربية ثقافة الحوار بين جميع الفئات المنضوية تحت رايته، وهذا ما يفرض على مثقفينا الاحرار وعلمائنا في الوطن أن يربوا الاجيال على قيم الحوار الخلقية وثقافته الاصيلة وعليهم أن يكسبوهم مهارة الحوار وتقنياته ، ولو افترضنا جدلاً أن السياسي المتعصب لا يرغب في ذلك فعلى أولئك المثقفين والعلماء والادباء أن يترفعوا عن المصالح الضيقة وعن أنانية السياسي ومنافعه الخاصة الى آفاق ثقافة الحوار لئلا يقع مجتمعنا في الجهل والتخلف والضعف والعجز ومن ثم السقوط في أتون الخصومة والعداوة التي تؤدي بالتالي الى الصراع والاقتتال
والله من وراء القصد
Post Views: 1٬833