احلام مزعجة

0
1271


د.حميد الطرفي ..

في صيف عام 1982 أطلّ علينا رجل أمنٍ لايجيد من كلام البشر جملةً واحدة ،لكنه يمتلك بعينيه الحادتين وشكله القبيح وسجل عمله اليومي قدرةً على إرهاب ضحاياه ، إنه الشرطي حاتم ، أطل من باب الزنزانة التي يقبع بها خمسةً وثلاثين شاباً ، يتأمل في الوجوه ، فأشار على شابٍّ بجانبي ، ورغم أن علاقتنا في الزنازين مع بعضنا البعض قوية ومتينة كرفاق محنة ، وأصحاب قضية واحدة ، ولدينا هم مشترك ، ويربطنا أكثر مما يفرقنا ، إلا أن شعوراً ما يشبه الطمأنينة قد خطر بنفوسنا ، إذ أن اختيار أحدنا يُنهي مشهد القلق الذي نعيشه جميعاً داخل الزنزانة ، لأن رجال الأمن عادةً ما يختارون ضحية واحدة من الزنزانة لكي يلهوا بها مساءً أو صباحاً ، فينزلوا بها سياطهم وركلاتهم ، وسيلاً من قذارات ألسنتهم وكلماتهم الفاحشة والبذيئة ثم يعيدونها الى الزنزانة لكي يعتبر الآخرون ، وإلا فلا سبب حقيقي للمخالفة ، الذنب الذي ارتكبه صاحبي أن طريقة جلوسه لم تكن منتظمة حسب رأي الجلاد، فبدل ان يجلس القرفصاء ويضم رجليه الى صدره ويحيطهما بيديه ، أبعدهما قليلاً وأرخى يديه ، وتلك إهانة للمفتش المجرم . جرت الأمور بخلاف ما نتوقع ،إذ لم يكتفي الشرطي الحقير بمذنب واحد وراح يقلب نظره بوجوهنا وأشار إلىَّ أن أدنو منه قرب باب الزنزانة ، وبادرني قائلاً
أنت حاقد عليّ تمام ؟
لا أبداً ، فنحن لا نعرف الغل والحقد .
أكيد إنك تقول في نفسك ، سأظفر بك غداً إذا خرجنا من السجن أو تغيرت الأحوال ( يعني سقوط النظام ولكنه لا يستطيع التصريح بذلك ) ؟
لا أبداً أنت مشتبه . انا أكثر الموجودين حكماً وأقدمهم سجناً هنا وأعلم كيف يفكرون ، لا أنا ولا غيري سيؤذيك إذا ما تغيرت الأحوال . ادار وجهه وانصرف وبعد خطوات من انصرافه ناديته ، استاذ استاذ أتدري لماذا لا نريد الانتقام منكم لو تغير الحال ؟
لماذا ؟
لأننا نؤمن ان انتقام الله أجدى وأقوى ، ولأننا نعلم أن القلق ووخز الضمير وحده سينال منكم الكثير . فهز رأسه ساخراً وانصرف ، وسكن الروع وخف القلق ، ودق منبه الموبايل لأجد نفسي على سريري صبح الثلاثاء 8/2/2022 ، إنه كابوس مزعج حقاً ، وهو حقيقة وليس خيالاً مني ، لم أضف عليه ولم أنقص منه شيئاً رويته كما رأيته في المنام .

أقول : رغم مرور ثلاثين عاماً على توديع الزنازين وعشرين عاماً على توديع حقبة الديكتاتورية ، فلازالت تلاحقنا في اليقظة الذكريات المؤلمة وفي المنام كوابيس الأحلام . الحمد لله الذي أرانا قدرته في الظالمين . انقلبت الأحوال ورحل النظام غير مأسوفٍ عليه ، وكما رأيت في منامي ، لم ننتقم ولم نثأر ولم نخض بدماء الجلادين كما خاضوا بدمائنا ، وللأسف لازال الغالب منهم ميت الضمير ، فلم يعتذر للشعب أمام الاعلام ولم يتب ولم يندم علناً على ما فعل ، وما يؤلم أكثر أن قسماً منهم ركب موجة القاعدة وداعش وجيش النقشبندية وغيرها من التنظيمات الوحشية والتكفيرية ،فارتكبوا أشد الجرائم وأكثرها خسةً ونذالة ، ولم ينل وخز الضمير منهم إلا القليل القليل ممن أباح بتلك الأفعال في لقاءات خاصة وعامة .

ملاحظة : للشرطي حاتم حكاية حقيقية لا تُمحى تجمع بين شجاعة الضحايا وجبن الجلاد وهي حكاية وقعت أحداثها في الزنزانة رقم 13 في ق1 سنرويها في يوم ما .

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here