نعيم ياسين …
لم يكن التاسع من نيسان يوما عابرا في تاريخ العراق السياسي الحديث, بل كان يوما فارقا بين الايام والسنين, هو يوم واحد في دورة الزمان لكنه يومان في ضخامة الحدث ومسار التاريخ, في التاسع من نيسان عام (1980) اغتيل الفكر والعلم والشجاعة, اغتيل الانسان الذي كان اكبر من عصره, اغتيل محمد باقر الصدر, وقد وطن نفسه على الشهادة لانه كان بصيرا بعصره, عارفا باجرام الطاغوت الذي يحكم عراق الرافدين, بانه حاكم لاحدود لدمويته.
كان الصدر بصيرا بعصره لم تهجم عليه اللوابس ولم تختلط في عينيه الالوان ” اني قد وطنت نفسي على الشهادة, ولعل هذا اخر ما تسمعونه مني” هكذا تحدث الصدر الى شعبه في خطابه الاخير. سيرة ومسيرة محمد باقر الصدر لايمكن الا ان تجعل منه شهيدا, وهي سيرة ومسيرة لم تتجاوز بصاحبها العقد الخمسيني من عمره, فهو العالم الذي لم يكتف بالعيش بين الكتب, وفي محاضرات الدرس, وهو من اربابها وابن بجدتها, انما هو العالم العامل بعلمه الطبيب الدوار بطبه, الحامل كفنه عمامة على رأسه, وظف كل شيء من اجل الاسلام والامة , وشاءت الاقدار ان يعاصر طاغوتا كان زاده الدم, ومهنته القتل, وهوايته السلطة, وقانونه اللاقانون.
عرض عليه صدام الدنيا, وحاول اغراءه بها فرفضها, وكيف يقبلها وهو القائل : ” لايجتمع حبان في قلب واحد حب الله وحب الدنيا “… وليس في قلب الصدر غير حب الله, وهذا لايعرفه صدام وحزبه, ولا يعرفه كثير من الناس, فقاده حب الله الى الشهادة يوم التاسع من نيسان عام 1980 وكان يوما عسيرا على ابناء الصدر السائرين في خطه, ويوما لم يشبهه يوم في الخطب على العراق واحراره.
ومضت السنون, بعضها ياخذ بعضها برأس بعض, راى فيها العراقيون الموت والجوع والتهجير حتى كان التاسع من نيسان (2003), وكان يوما فارقا اخر في تاريخ العراق, اذ تهاوى صرح الطاغوت منبوذا, لم يتطوع احد للدفاع عنه, اي قدر هذا ان يكون سقوط الطاغوت في يوم شهادة الصدر؟, شهادة الصدر كانت انتصارا ولو بعد حين, فضحت نظاما طالما اخفاها لكن الصدر كان اعرف الناس بها, في التاسع من نيسان 2003 افتضحت الشعارات, وافتضح فيها رفاق البعث الزيتوني حتى لاذوا بنسائهم خوفا من نقمة الناس عليهم, وافتضح الطبالون والمغنون الذين غنوا: ” شكد انت رائع سيدي” , ” صدام حسين احنه يلوكنه ” … وكثير من هذا الزبد.
والغصة في التاسع من نيسان (2003) ان الطاغية اورث العراقيين احتلالا اجنبيا بغيضا, وعراقا زرعت ارضه بالمقابر الجماعية, وكبلته قوانين دولية الغت سيادته, وطائفية ملأت قلوب قوم حتى انهم لم يدركوا بعد اكثر من عشرين عاما مرت ان التاريخ غادرهم, وانهم لم يعودوا وحدهم يملكون العراق ومقدراته.
كان دمك ايها الصدر العظيم بحرا اغرق الطاغية ونظامه كما اغرق البحر فرعون موسى وجعل منه اية للعالمين.
Post Views: 1٬414