د.حميد الطرفي …
تألمت ذات يوم وأنا أسمع تصريحاً للزعيم الراحل ياسر عرفات رحمه الله وهو يدافع عن اتفاقيات أوسلو بالقول (ان الفلسطيني يبحث عن قبر يُدفَن فيه) !!! ثم قرأت تقريراً عن مقابر الفلسطينيين في لبنان وكيف يضطرون لدفن ميت بذات القبر المدفون به ميت قبله لم تبلى عظامه بعد !!! وقل عجبي وزاد ألمي عندما سمعت أن أحدهم توفي قبل سنتين فقير الحال فلم يجد قبراً في مقبرة وادي السلام المترامية الأطراف في النجف الأشرف مما اضطر ذووه إلى دفنه في ابي صخير (20 كلم جنوب النجف الأشرف) في مقبرة مخصصة للأطفال .
فالقبور غدت كالقصور في غلائها ، فمقبرة فلان ستين متراً وفلان خمسين متراً وآخر أقل ثراءً لا يشتري سوى اربعين يبيع نصفها ويحتفظ بالباقي !!! ورابع دمج ثلاث قطع لتكون 180 متراً وليس فيها سوى لافتة صغيرة كتب عليها مقبرة المحروس بالله (فلان) .
سعر المقبرة الرسمي عندنا في كربلاء بين مليون ومليون ونصف حسب المساحة أما السعر التجاري فحسب العرض والطلب . حدثني أحدهم أن رجلاً أقبل عليه ذات يوم وهو على حياء يطلب حاجة قدّم لها مقدمات طويلة متوسلاً ان لا يرد طلبه ، ماذا تريد ؟ اريد قبراً في مقبرتكم في وادي السلام . علماء الديمو غرافيا (السكان) يقولون أن البشر على الأرض يشغلون 1/7 (سُبُع) ما تَسَعُ بيوتهم والباقي فارغ ولكن المشكلة في التوزيع فكم من قصر منيف لا يسكنه سوى نفرين ، وكم من شقة بائسة تضج بعشرة نفرات ، لقد قَبِل بنو البشر بذلك رضىً بقضاء الله وقدره حيناً ومجبورين في أحيان كثيرة ، ولكن أن ينتقل التنافس الى القبور ، حتى يضيق على الفقير قبره أو لا يجد قبراً فتلك حكاية حكاها الشاعر وظَنَنا أنها كذبة إذ قال :
وفتاةٍ لم تجد غيرَ غبارِ الريحِ سترا
تخدم الحيَّ ولا تملكُ من دنياهُ شبرا
وتود الموتَ كي تحصلَ بعد الموت قبرا
واذا بالحفّارِ فوقَ القبرِ يدعو أين حقي ؟
بقاء مساحات كافية ووافية بحوزة البلدية وتحت تصرفها يدفن فيها كل من لا يجد قبراً ومجاناً واجب انساني ، والشكر والتقدير لكل فاعلي الخير والمحسنين لكن هذا من واجبات الدولة ، بيع قطع المقابر جاء لغرض التنظيم الحضري والبيئي للمدن وليس للاستثمار والربح ، فغسل الميت وتكفينه ودفنه واجبات كفائية يفرضها الشرع (يجب ان يقوم بها أحد مجاناً فاذا قام سقطت عن الآخرين وإلا فالجميع مذنبون )، وما يُعطى فهو بعنوان الهدية ليس أكثر ، وواجب الدولة ان تهيئ وتنظم سير هذه الاجراءات .
Post Views: 856
