الرئيسية مقالات الصراع الدائر بين الجمهورية الإسلامية وقوى الاستكبار العالمي محطة من محطات التمهيد

د. حسين علي السلطاني
وفقا لرؤية أتباع اهل البيت في ظهور الامام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) هو أنّ ظهوره المقدس متوقف على تهيئة الأرضية المناسبة له من قبل الناس ، فقد ورد عنه (ع) أنه قال : ( وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ في ذلك فرجكم ) الغيبة للطوسي ، ص ٢٨٥ .
وفي حديث عن رسول الله ( ص) جاء فيه : ( أبشروا بالمهدي قالها ثلاثا يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملا قلوب عباده عبادة ويسعهم عدله.) بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج ٥١ – ص ٧٤
واذا وضعنا إلى جانب هذين الحديثين المبدأ القرآني العام الذي يؤكد أنّ ( التغيير الخارجي للناس ) مرتبط ومتوقف على تحقيق ( التغيير الداخلي لهم ) : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) يتضح إن ظهور الامام المهدي (ع) هو نتيجة طبيعية لتوفر عاملين أساسيين :
الاول : وجود قاعدة تتحلى بالوعي العميق والبصيرة الثاقبة والصبر العالي والاستعداد الكبير للتضحية بالغالي والنفيس .
الثاني : توفر أرضية عامة للبشرية بقبول التغيير نتيجة للظلم الفاحش والجور الكبير وانتهاك الحقوق وسلب الحريات والفساد المستشري في أوساطهم .
إذا توفر هذان العاملان ستتهيأ الظروف الموضوعية للظهور ويكون خروج الامام المهدي (ع) نتيجة طبيعية وتلقائية ،ونحن إذا أردنا ان ننزل هذه الرؤية على أرض الواقع نجد أن الصراع الدائر بين الجمهورية الإسلامية وقوى الاستكبار العالمي يمثل محطة مهمة من محطات التمهيد ، وسير طبيعي باتجاه عملية الخلاص والإنقاذ للبشرية ، فكل منصف وموضوعي في التقييم يجد أنّ نظام الجمهورية الإسلامية في خطه العام هو أقرب من غيره للمنهج الالهي الذي وضعه الله سبحانه وتعالى لهداية البشرية ، وكلفها بالالتزام به ، والسير على هداه . فيقف على رأس هذا النظام رجل فقيه وعادل ، زاهد وشجاع صائن لنفسه ، حافظ لدينه ، مخالف لهواه ، ومطيع لاوامر ربه ، فقد خبره المجتمع الإيراني لعقود من الزمن فلم يقفوا على أدنى خلل في سجاياه الاخلاقية وكمالاته القيادية ، كما إنّ دستور الجمهورية الإسلامية هو الاخر منبثق من الشريعة الإسلامية ويخضع لرقابة عدد من فقهاء القانون والشريعة للمحافظة على تطبيقه ، ثم أنّ نظام الجمهورية الإسلامية رفع لواء مقارعة الظلم ومواجهة الظالمين والانحياز إلى الشعوب المستضعفة منذ نشأته ولحد الان ، وتحمل إثر ذلك ضريبة باهضة ، من التضحيات بأبنائه ، والحصار الاقتصادي ، والتشويه الإعلامي ، والتآمر على كل الأصعدة ، وهي الدولة الاسلامية الوحيدة من بين الدول الإسلامية التي جسدت المبدأ القرآني 🙁 وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) الأنفال : ٦٠ ، فمع الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرض علىها منذ اكثر من ٤٠ عاما ، وتعرضها لأكثر من حرب ، وممارسة الضغوط السياسية المتنوعة ضدها ، لكنها تمكنت ان تحقق معادلة الردع للأعداء بجدارة ، وفرضت نفسها كدولة مؤثرة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وربما هي الدولة الوحيدة التي وقفت ندّاً وخصما عنيدا ضد السياسات التوسعية لقوى الاستكبار العالمي في منطقة غرب آسيا .
ويقابل هذا النموذج الإسلامي نموذج آخر يتمثل بالكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية والمعسكر الغربي ، حيث يمارس هذا الثالوث المشؤوم عملية مسخ للفطرة الإنسانية وغواية للمجتمعات البشرية بطريقة فضيعة ويفرض هيمنة مقيتة على دول العالم الثالث ، خصوصا المسلمة منها ، ويرتكب جرائم يندى لها جنين الإنسانية خجلا وحياء من هولها وبشاعتها ، ويكفي ان نستحضر لذلك مثالا واحدا وهو ما يجري في قطاع غزة منذ أكثر من عام ، حيث يتعرض شعب غزة الأعزل لابادة جماعية ، لا يفرق فيها بين عسكري او مدني ، بين إمرأة أو طفل ، بين ثكنة عسكرية أو مستشفى ، أو بين منشأة وبيت سكني ، وضمن مساحة جغرافية محددة طولها ١٤ كم وعرضها بين ٦- ١٠ كم ، يتم ارتكاب هذه الجرائم الشنيعة من قبل الكيان الصهيوني بمرأى ومباركة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ، التي ترفع شعارات حقوق الإنسان وحريات البشر واستقلال الشعوب زورا وبهتانا ، هذا المشهد تكرر في الاعتداء الأخير على الجمهورية الإسلامية ، فمع أنّ هذا الاعتداء مخالف للقوانين الدولية وقرارات الامم ، ولا مبرر له مطلقا ، لكنك تجد كل دول الاستكبار العالمي وقفت مساندة ومؤيدة لهذا الاعتداء بحجة أنّ المشروع النووي السلمي من شأنه ان يهدد أمن إسرائيل ويعرض السلام العالمي للخطر ، و يلوذون بالصمت المطبق عن تمرد الكيان الصهيوني على جميع قرارات الوكالة الذرية وامتلاكها المئات من القنابل الذرية .
هذا الانحراف الخطير والظلم الفاحش والجرائم الشنيعة تشهدها الشعوب عموما والمجتمعات الغربية خصوصا ، وبالتأكيد تشعر بوعيها وفطرتها بشاعة هذا الواقع مع كل وسائل الغش والتزييف التي تمارس ضدهم لحجب الحقيقة عنهم .
اذن عملية ظهور الامام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) تتوقف على تهيئة الظروف الموضوعية التي تعيشها المجتمعات البشرية ، والمتمثلة بوعي المجتمعات عموما بحقوقها ودورها المناط بها و حجم الظلم الذي تعيشه ، والتوق والرغبة إلى الخلاص ، ووجود الثلة المؤمنة ، التي أثبتت الحوادث والتحديات الحسيمة صدق إيمانها و قوة صبرها ، وعمق بصيرتها ، وحجم همتها ، و استعدادها العالي للتضحية .
إنّ وجود هذين العاملين في الواقع الخارجي لايمكن تحققهما إلا من خلال الوقائع العملية الصعبة والامتحانات العسيرة ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة : ٢١٤
نسأل الله تعالى ان يجعلنا جميعا من الممهدين لظهور الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف من خلال معرفتنا للحق ونصرته قولا وعملا 🙁 اللهم أَرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلنا يا ربنا ممن قلت فيهم ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ الكهف : ١٠٤
Post Views: 88