كتب/ وليد خالد الزيدي ..
قيام الحضارات وانبثاق الأمم ونهوض الشعوب له أسبابه وعوامله المنسجمة مع سنن الحياة وطبيعتها البشرية منذ الخليقة التي وضع الله لها قوانينها ونواميسها وارسي لها إرادتها في الديمومة والهلاك،وألهمها روح الارتقاء والسقوط (على حد سواء)،وحينما نقول إن العراق بلد حضاري لا نعني بالضرورة إننا نغوص في أعماق التاريخ،ونبتعد عن الحاضر ونتجاهل المستقبل،بل إن الحضارة في تعريفها الأكاديمي هي(نتاج تفاعل الإنسان مع البيئة التي يعيشها)أي التعامل الموضوعي مع الواقع الذي يفرض على الإنسان عناصره المختلفة سواء كانت في صالحه أو في غير صالحه.
ولهذا فنحن اليوم حينما نبغي الانعتاق والقفز على الأزمات وتحقيق عملية الاعمار والبناء ومحاربة الفساد،إنما نستلهم قيم النصر من عوامل التاريخ وعراقته واعتبارات الماضي وأصالته،لكن علينا إلا نبقى حالمين في اشراقاته،مستذكرين مأساته،بل يجب ألا نتوقف عند تلك الحدود،فليس هناك أمر مستحيل أمامنا لنتعايش مع الواقع،ونستشهد بحديث رئيس الوزراء الدكتور حيدر ألعبادي،أثناء زيارته لعوائل شهداء محافظة النجف مؤخرا،وهو يقول إن حالة الضياع والانكسار قد ولت والعراق اليوم يعيش حالة النصر والقوة والعالم ينظر إليه بأنه قوي وسيبقى كذلك،وهناك قدرة عالية على تحقيق معجزة البناء والاعمار وتجاوز آثار الحروب ومآسيها.
وتقدم لنا التجربة اليابانية نموذجا تاريخيا،على مدى العقود الماضية يصلح لان تكون منبعا للتحليل والاستنتاج،فقد شهد هذا البلد سيلا هائلا من التغييرات الجوهرية العميقة بعد عام1945،الذي انتهت فيه الحرب العالمية الأولى واستسلامه للحلفاء بعد ضربتين نوويتين،حيث نشد اليابانيون بعدها”التنمية”واجتازوا عملية تحول كبيرة تصاعد حينها العقل وارتفع فيها الوجدان، فكان الشعب وقادته حالة واحدة،ولم يعد الياباني ينظر إلى الوضع العسكري على انه جزء من طبيعة الأشياء واخذ يتأقلم مع السياسة وحركة الحياة، فالتنمية التي ناضل من اجلها شعب اليابان ارتبطت بمفهوم الثقافة السياسية التي افترضت عنصرين هما،مدنية الثقافة السياسية،وديمقراطية هذه السياسة،برغم الصعوبات والمحن،فأحدثت قفزة نوعية تقنية وتكنولوجية غاية في التقدم والرقي،ولما يعرف اليوم بـ”المعجزة اليابانية”.
وباستقراء تلك التجربة وغيرها من التجارب الفريدة،نرى إن العراق يمتلك مقومات النهوض وقدرة على تجاوز العقبات،لكونه يحيا على ارض طيبة وشعب معطاء،له طاقات كامنة،وثروات منظورة وغير منظورة.ليس على شعبنا سوى التسلح بثمرات النصر على الإرهاب وكتابة صفحات جديدة من سفر حضارة جيل جديد،وثمرة التضحيات بمرحلة أولى منطلقاتها الإيمان بهدف وغاية يملأن على الإنسان دافعا للعطاء غير المتناهي.