سلام مكي ….
رغم ان قانون مجلس النواب وتشكيلاته، نشر على موقع مجلس النواب، ضمن خانة القوانين الصادرة منذ عدة أشهر، الا ان الجدل القانوني والسياسي الذي اثير حوله، بدأ منذ تاريخ نشره في الوقائع العراقية في العدد ما قبل الأخير(4499) الذي صدر قبل أيام.
وقد وصل رفض القانون الى ذروته خلال قيام رئيس الوزراء بتقديم طعن الى المحكمة الاتحادية للطعن بعدد من مواد القانون، للأسباب المبينة في عريضة دعواه. وقد بينت المحكمة الاتحادية من جانبها طبيعة تلك الدعوى، خصوصا ان المدعى عليه فيها (رئيس مجلس النواب إضافة لوظيفته) غير موجود بسبب انتهاء الدورة
البرلمانية.
حيث بينت المحكمة عدم تأثر غيابه بالمركز القانوني لرئيس مجلس النواب، على اعتبار ان الدعوى مقامة عليه بصفته الوظيفية لا الشخصية، وان تبدل شخص الرئيس او انتهاء الدورة البرلمانية لا يؤثر في الشخصية المعنوية للمجلس، على اعتبار ان اكتساب الشخصية المعنوية يتم وفقا للقانون، ومادام القانون موجودا، ونافذا، ويشير الى ان مجلس النواب ما زال موجودا كسلطة تشريعية قائمة، فبالإمكان إقامة الدعوى ضدها، لأن من يحضر فيها هو الممثل القانوني الذي سبق وان منح تلك الوكالة التي تخولها الخصومة والتقاضي امام المحاكم.
وبعد ان بينت المحكمة صحة الخصومة وبينت السند القانوني والدستوري، لترافع ممثل مجلس النواب امام المحكمة الاتحادية، قررت إيقاف العمل بالنصوص القانونية المطعون بها. كون رئيس الوزراء لم يطعن بالقانون كله، بل بنصوص معينة، ومن تلك النصوص المادة 5 أولا و6 ثانيا 11 رابعا و13 و15 و17/سابعا و19 و30 ثانيا….. الخ من المواد المطعون بها.
وبالعودة الى السبب الرئيس لطعن الحكومة، بها هو وجود الجنبة المالية فيها، حيث ان اغلب الخلافات التي تحدث بين الحكومة والبرلمان، تكون بدافع مالي يتمثل بقيام مجلس النواب، بالمناقلة بين أبواب وفصول الموازنة، دون استشارة الحكومة، ما يسبب بتقديم طعن امام المحكمة الاتحادية، لأن الحكومة هي الأحق بتبويب الموازنة وتحديد أوجه الصرف والانفاق العام (علما ان قانون مجلس النواب وتشكيلاته المطعون بعد دستوريته نص في المادة 17 على اختصاص المجلس بالمناقلة بين أبواب الموازنة).
وفيما يخص المادة 5 أولا المطعون بعدم دستوريتها، فإنها تنص على النائب حق التعبير عن الرأي والفكر والنقد والمعارضة وتشخيص حالات الفساد في دوائر الدولة.
هذه الفقرة، تسهم بإرباك عمل الأجهزة الرقابية المختصة بمكافحة الفساد، إضافة الى انها تخرق مبدأ الفصل بين السلطات، ذلك ان وظيفة مجلس النواب تتمثل بسن وتشريع القوانين ومراقبة عمل السلطة التنفيذية. وعليه فإن متابعة حالات الفساد وتشخيصها من اختصاص الدوائر التنفيذية كهيئة النزاهة التي هي أصلا خاضعة لرقابة مجلس النواب، فضلا عن ديوان الرقابة المالية.
بالتالي، فلا يوجد سند دستوري لمنح النائب هذه الصلاحية في ظل وجود حالات استغلال المنصب الوظيفي لتحقيق مصالح شخصية. المادة 6 ثانيا، فهي الأكثر فداحة من المادة 5، فهي تمنح النائب صلاحيات خارج اختصاصه أصلا، فهي تمنحه حق تمثيل المصلحة العامة (في جوانبها كافة) وله التقاضي امام الهيئات القضائية بوصفه ممثلا لمئة الف نسمة!
من خلال هذا النص يستطيع النائب ان يرفع دعوى قضائية ضد من يشاء بدعوى المصلحة العامة، وله ان يدخل خصما في أي دعوى سواء كانت بين الأفراد فيما بينهم او بينهم وبين الدولة ممثلة بالوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة. خصوصا وان عبارة (المصلحة العامة في جوانبها كافة) تحتمل القيام بأي تصرف قانوني، من قبل النائب.
وهذا ما يخالف المبادئ العامة في القانون، تلك المبادئ التي وضعت شروطا معينة لغرض إقامة دعوى امام المحاكم المختصة، ومن اهم تلك الشروط، هو وجود المصلحة المعلومة والحالة الممكنة. فالنائب الذي يروم التقاضي امام المحاكم في قضية معينة ليس هو طرفا فيها، قد لا تكون له مصلحة معلومة ولا محتملة، وهذا ما يخالف نصوص قانون المرافعات المدنية.
كما ان النائب هو جزء من السلطة التشريعية التي حدد الدستور اختصاصتها بموجب المادة 61، كما ان مفهوم النيابة ينصب على ممارسته السلطة نيابة عن الشعب او الناخبين الذي انتخبوه. وتلك النيابة تتمثل بتشريع القوانين ومراقبة عمل السلطة التنفيذية.
Post Views: 3٬178