العدوانية في ثقافتنا ” السجناء السياسيون ضحايا العدوانية “

0
1864

حكمت البخاتي ….

يعتبر بعض علماء النفس أن العدوانية سلوك غريزي ويستدل بوجوده لدى الحيوانات المفترسة على أداء وظيفي يمارسه هذا السلوك من اجل التأقلم مع البيئة وحفظ النوع لغرض البقاء فالافتراس ضرورة من اجل البقاء في عملية الشبع وللتأكيد على أنه سلوك غريزي كان هؤلاء العلماء النفسيون يستدلون بطقوس القتل التي تمارسها بعض المفترسات خارج ضرورات عملية ومكانزمات الشبع وبالنتيجة فأنهم يخلصون بأن العدوانية آلية منظمة عند تلك المفترسات.

لكن نظرية العدوان الغريزي امتدت الى تفسير السلوك البشري عند عالم التحليل النفسي سيغموند فرويد ويخلص فرويد الى ان العدوانية لاتشكّلها الظروف والطوارئ لكنها تمتد غريزيا و ” بشكل بدائي ومستقل عند الكائن البشري ” وتعبيرها في غريزة الموت وفق فرويد التي جعلها في تضاد دائم مع الحضارة التي تحاول دائما كبتها وإزاحتها من الوعي البشري ، وقد وضعت تلك النظرية في ظل أزمة عدوانية سبغت تاريخ البشر الحديث وانتشرت في ثقافة وتقاليد العدوانية النازية والفاشية وراجت في العقد الثالث من القرن العشرين وهي تعبير عن الأزمة الثقافية – الاخلاقية التي عصفت بأوربا عشية الحرب العالمية الثانية وتحققت فيها رؤى فرويد في غريزة التدمير والعدوان ، لكنها تظل مجرد انطباع تشاؤمي لايرقى الى اليقين العلمي والاستدلالي .

ولعلها تعكس حساسية مفرطة تجاه التاريخ الدموي للحروب البشرية والعدوانية ذات النزوع المستقل عند البشر لكنها من وجهة نظر علماء النفس الاجتماعي تشكلت وبشكل طارئ وغير مستقل باعتبارها رد فعل تجاه مثير خارجي وبذلك يكون سببها غير داخلي وغير مستقل في النزوع البشري ، لكن نظرية التعليم الاجتماعي تفسر العدوانية أبعد من مجرد رد فعل بل تصنعها مضامين وأشكال التعليم ومدة التعليم طويلة الأمد.

لكن العدوانية التي طرأت على مجتمعاتنا العربية بعد سقوط أنظمتها الدكتاتورية واختلال النظام السياسي الرسمي العربي فيها تكشف عن نزوع تاريخي وعلى أثره ثقافي في تكوين العدوانية في مجتمعاتنا وهي ما تسمح بشرعنة العدوانية كوظيفة سياسية تتطلبها أيدلوجيا إقصائية أو مزاج منحرف يهدف الى التأقلم مع انحرافه في تكريس العدوان على الآخر بتقديس رموز هذا العدوان وهو ما يفسر قيام بعض طلبة جامعة الانبار برفع صور الدكتاتور المقبور كتقديس رمزي لثقافة العدوانية ، ومن ثم النظر الى ضحايا العدوانية الدكتاتوية من السجناء والمعتقلين السياسيين بأنهم عبأ ثقيل على الدولة واعتبار حقوقهم المالية التي كفلها لهم القانون العراقي النافذ كتعويضات مستحقة بأنها هدر للمال العام ، وهي ممارسات خطيرة تستبطن إحياء العدوانية البعثية والدكتاتورية في ثقافتنا من جديد .


ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here