نهاية عصر الحروب

0
1492

حكمت البخاتي …
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أدركت أوربا ولأول مرة حجم الخراب الذي تولده الحروب وحجم الخسائر الممكنة في حالة تعاظم القوة العسكرية لدى الطرفين المتخاصمين والمشتبكين بالحرب ولعلها لم تكن على تلك الدراية العملية إلا بعد ان رأت حجم القوة العسكرية النازية – الالمانية وآثارها المهولة في الحرب العالمية الثانية.
لقد كانت أوربا غير مبالية بكل أنواع القوة العسكرية المتوفرة لدى خصومها في العالم لا سيما آسيا وأفريقيا ، وعلى مدى القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين الميلاديين كانت اوربا تفرض استعمارها ورغبتها بحكم وادارة العالم بتأثر وامكانات الثورة الصناعية الثانية في القرن التاسع عشر الميلادي التي امتلكت ناصيتها وجهزت جيوشها بأحدث الأسلحة آنذاك وما فرضته الحركة البرجوازية وربيبتها القدرة الصناعية والمالية من ضرورة توفير المواد الخام وبأزهد الاسعار من أجل ضمانات الربح وقبلها الهيمنة على مصادر الثروة في العالم وكان خوضها للحرب العالمية الأولى لتنفيذ مخططات استعمارها للعالم ومصادر الثروة وتمكنت بفعل وحجم القوة العسكرية التي تمتلكها من تحقيق أهدافها وخططها الاستعمارية.
لقد ظلت أوربا مصرة على مدى القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين على أهمية الحرب بالنسبة لها وكانت مستعدة خلال تلك الفترات لخوض الحروب وقمع التحركات المعارضة لها في العالم بقوة السلاح وهكذا خاضت عددا من الحروب ضد الشعوب المستعمَرَة وارتكبت انتهاكات فظيعة لحقوق الانسان في العالم المستعمَر بواسطة أدوات وآليات الحرب التي جلبها الاستعمار الى هذا العالم المضطهد ، ولكن أوربا وهنت وضعفت وصارت غير ميالة الى الحرب في آخر أمرها نتيجة هذه الحروب العديدة والطويلة وذلك هو قانون الحرب ، وكذلك نتيجة سعة المساحات والمستعمرات التي لم تعد قادرة على ادارتها ، بينما كانت ألمانيا النازية تبدأ قوتها من جديد وتعد العدة لغزو العالم وفق منطلقات الرؤية الأوربية القديمة والتقليدية في استثمار الثروات والعالم لصالحها ولكن هذه المرة وفق مبادئ الاشتراكية – النازية وبعيدا عن التقليدية البرجوازية الأوربية واستطاعت ألمانيا أن تكسب الوقت وامكانات بناء القوة العسكرية وانتجت ذلك السلاح الذي تعي أوربا قدرته الفعلية إلا حين أحال أوربا الى ركام من الخراب والدمار وقتل الملايين من البشر الذي فاقت نسبهم وأعدادهم قتلى حروب بشرية بمجملها في التاريخ القديم ، وهنا استفاقت اروبا على لعنة الحرب وأدركت حجم الخطيئة التي ارتكبتها بافتعالها الحروب في العالم وصدمت بإزاء المأساة التي حشرت شعوبها والعالم فيها فتنازلت او خرجت عن أغلب مستعمراتها ولاشك أن ضعفها وعجزها عن ادارة هذه المستعمرات كان سببا رئيسا في انسحابها منها ، لكنها كفت عن لغة الحرب والتنظير لها بواسطة آيدلوجيا رسالة الرجل الأبيض والمسؤول عن قيادة العالم وتطويره كما أوهمت شعوبها.

وعلى أثر ذلك تنامت دعوات السلام في أوربا وكانت تغذيها صور الخراب والدمار التي هيمنت على ذاكرة أوربا وكذلك اختزان الشعور الأوربي حالة من الخوف من الحرب ، ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945م لم تدخل أوربا أية حرب أخرى بهذا الحجم والمستوى أو اقل من ذلك ، وبذلك يكون النصف الثاني من القرن العشرين عصر انتهاء الحروب او عصر نهاية الحروب في أوربا

لكن بدت الرغبة في الحرب قائمة على جناحي أوربا والعالم ولدى الدولتين العظيمتين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفيتي اللتين خرجتا من الحرب العالمية الثانية منتصرتين ، وكانت اغراءات القوة والشعور بالنصر وامتلاك الجيوش القوية اضافة الى حيازة تلك الدولتين على الخطط والوثائق والامكانات العلمية الالمانية والتي استولت عليها كغنائم حرب وطورت من خلالها قدراتهما العسكرية والهجومية اضافة الى تعاظم مصالحهما الاقتصادية والصناعية والمالية على أثر تراجع أوربا وانفتاح أسواق وامكانات وموارد العالم امامهما حصرا هو الذي جعل الحرب نظريا وعمليا شيئا مستساغا ومطلوبا في الخطط السياسية لتلك الدولتين وبدءا سباقا من نوع لم تعهده البشرية من قبل وهو سباق التسلح الذري ثم تطور الى سباق التسلح النووي وحبس العالم انفاسه مرتقبا النهاية المأساوية للعالم البشري في أخطر تهديد تمارسه الرغبة في الحرب واستساغة القتل البشري فيها لكن كلا الدولتين أدركتا حماقة تلك الرغبة المازوشية وأعلنت عن معاهدات للسلام أذنت بانتهاء عصر التهديد بالحرب الذي كان هذا التهديد بحد ذاته أو بمجرده يكلف ما للحرب من خسائر مادية واقتصادية اضافة الى آثاره النفسية من تحطيم الثقة بالمستقبل البشري او الخوف من هذا المستقبل والخوف هو متلازمة الحرب الدائمة وهكذا بدأ عصر جديد للسلام في العالم ، وكان يدشن هذا العصر قبل ذلك هو ارتداد السياسة الأميركية باخطائها بل بجرائمها على الادارة الأميركية في حرب فيتنام والدمار الذي لحق هذه الدولة تحت وطأة الغارات والقصف الجوي الأميركي وباستعمال الأسلحة المحرمة دوليا مما أثار استياء العالم واشتعلت الاحتجاجات الشعبية في العالم وفي الداخل الأميركي مما جعل الادارة الأميركية ترضخ الى ارادة الشعوب وتعلن وقف الحرب وانسحابها من فيتنام وهي تعيش حالة الهزيمة التي عرفتها لأول مرة في تاريخها القصير وكان اعلانا بنفس الوقت عن انتصار العالم الراغب في السلام بفرض ارادته على اميركا في تحقيق السلام واعلانا مباشرا أيضا عن الرغبة في التخلص من سياسات وأفكار وأيدولوجيات الحرب وهو ما يفسر تلك الاحتجاجات الدولية والشعبية على اعلانات الحرب على دول العالم التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية بين الحين والآخر وهو ما يدعها اضافة الى توقعاتها بمخاطر الحرب مترددة وعاجزة عن اكمال مخططاتها باستباحة دول العالم بالقوة العسكرية ويدعها ايضا خاضعة الى منطق العالم الحديث في انتهاء عصر الحروب

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here