في مواجهة الكوارث

0
1873

د.حميد الطرفي …
في11 آذار عام 2011 أنشددت إلى شاشات الفضائيات الإخبارية وأنا أتابع كارثة زلزال وتسونامي التي ضربت اليابان،طوفان بحري وصل فيه ارتفاع الموج إلى عشرة أمتار حوَّل شوارع المدن الساحلية إلى أنهار ضخمة ذات جريان عارم تجرف كل ما يعترضها، السفن الراسية ومراكب الصيد والتنزه وآلاف السيارات وحتى المنازل الصغيرة تحولت إلى ما يشبه قناني البيبسي كولا أمام غضب المحيط الهندي،اشتعلت النيران في بعض الأجزاء من مفاعل محطة فوكوشيما النووية لتوليد الكهرباء،قُتل وفُقد الآلاف(عشرين الف قتيل ومفقود) وأُجلي أضعافهم (مائتي ألف)،هلع وفزع من خشية تسرب الإشعاعات النووية من المفاعل،خاصةً وأن اليابانيين ذاقوا وبال هذه الاشعاعات ويعرفون ماذا تعني وهم الذين لازالوا حتى اليوم يدفعون ثمنها في ولاداتهم حين ضربت امريكا ناكازاكي وهيروشيما بقنبلتين نوويتين في آب عام 1945وبها حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها،وإلى اليوم كلما أردت تذكر تفاهة قدرات الإنسان أمام قدرات الخالق الجبار كتبت على الكوكل ( تسونامي اليابان 2011 ) لأرى العشرات من تلك الفيديوات المرعبة.
في تلك الكارثة لم يشد انتباهي في تقارير وكالات الانباء شيء مثلما شده ذلك التقرير الذي يصور كيفية إطاعة اليابانيين لتوجيهات قادتهم والتزامهم الهدوء التام في دخول الملاجئ،والتزام الصمت فيها،وإخلاء المواقع المنكوبة والابتعاد عن مواقع الخطر، أتابع وجوههم الحزينة وشفاههم المطبقة، يتراصون في الملاجئ كتراص الشياه الأليفة حين يجمعها الراعي في الحضيرة،بلا صراخ ولا عويل ولا ثرثرة ولا لجج ، ولا اعتراض ولا عناد، يراقبون الشاشات دونما تعليق .
لم تخل الأرض وعلى مر الزمان من كوارث طبيعية( الجفاف،التصحر،الزلازل،الفيضانات،..الخ)أو كوارث من صنع البشر ( الحروب الداخلية والخارجية وما يحصل فيها من ويلات..) وفي دول لها تجارب طويلة مع الكوارث عمدت إلى تأسيس كليات تحت مسمى( كلية إدارة الكوارث) يتلقى فيها الطالب دروساً مختلفة في كيفية التعامل مع الكارثة والإحاطة بالأمور النظرية والعملية بهذا الشأن .
هناك دورة في إدارة كل كارثة تمر بأربعة مراحل هي التهيؤ والاستعداد (قبل الكارثة) ثم مرحلة المواجهة ثم مرحلة الإنعاش ومع هذه المراحل الثلاث هناك ما يرافقها جميعاً وهي التقييم والتقويم.
وما يعنيني اليوم هي المرحلة الأولى التي تتضمن برامج تدريب المسعفين والداعمين النفسيين،وكتاب التقارير،والإعلاميين،وتوجيه الجماعات وإدارة المخيمات ناهيك عن الاستعدادات اللوجستية المطلوبة، وباختصار فإن النجاح في مواجهة أي كارثة يعتمد على بناء ثقافة عامة قبل وقوعها بإمكاننا أن نسميها ثقافة مواجهة الكوارث،من بين أهم عناصر هذه الثقافة هو التضامن،طاعة الميسرين أو الموجهين، ومضاعفة الشعور بالمسؤولية،فالكوارث طوارئ وللطوارئ أحكام خاصة تشمل الكثير من جوانب الحياة العامة والخاصة وأهمها الإعلام.
فالكلمة الواحدة في الكوارث قد تفتك بالنفوس أكثر مما تفتك الكارثة نفسها ، فلننتبه ولنتعلم ففي ارثنا الكثير مما يجب أن نتعلمه ونعمل به وقت البلاء فالبلاء هو الكارثة .

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here