الصواريخ الإيرانية تعزف لحنها في قلب الكيان الصهيوني: قراءة في الرسائل والتداعيات

0
43


فاضل الحلو

في سابقة نوعية تعكس تغيرًا جوهريًا في قواعد الاشتباك الإقليمي، أطلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وابلًا من الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه العمق الإسرائيلي، مستهدفة مواقع عسكرية وأمنية حساسة في قلب الكيان الصهيوني. هذا الحدث – رغم رمزيته العسكرية – يحمل دلالات استراتيجية عميقة، ويطرح جملة من التساؤلات حول موازين الردع في المنطقة، ومستقبل الصراع الإيراني – الإسرائيلي ضمن بيئة إقليمية شديدة التعقيد.

رسائل مركبة تتجاوز الجغرافيا

الهجوم الإيراني لم يكن مجرد ردٍّ على اغتيال قادة من الحرس الثوري الإيراني، بل جاء كرسالة مباشرة للكيان الصهيوني ولمن خلفه بأن “المسافة لم تعد عائقًا”، وأن طهران قادرة – إن شاءت – على تغيير المعادلة من الدفاع إلى الهجوم.

وقد حمل هذا التصعيد رسائل في عدة اتجاهات:

  • لإسرائيل: أن الغطرسة الجوية لم تعد محصنة، وأن الهدوء النسبي في عمق الأراضي المحتلة قد لا يدوم.

  • للولايات المتحدة: أن احتواء إيران لم يعد ممكنًا عبر الضغط السياسي والاقتصادي فقط.

  • لحلفاء طهران في محور المقاومة: أن إيران ليست مجرد داعم سياسي أو مالي، بل طرف ميداني قادر على الدخول في المعركة مباشرة.

  • للدول العربية: بأن التحالفات الأمنية الجديدة في المنطقة لن تكون بمنأى عن ارتدادات المواجهة.

تحول في قواعد الاشتباك

ما يميز هذا التصعيد ليس حجمه أو مداه، بل كسره لحاجز “الخطوط الحمراء” التي كانت تُعتبر غير قابلة للمساس منذ عقود. فلأول مرة تُستهدف منشآت عسكرية إسرائيلية بصواريخ ومسيّرات انطلقت من أراضٍ إيرانية بشكل مباشر وعلني. وهذا – بحد ذاته – يعيد رسم خطوط الاشتباك الإقليمي، وينذر بتغيرات محتملة في طبيعة الحرب المقبلة، والتي قد تكون هجينة ومتعددة الجبهات.

ردود الفعل وتوازنات الردع

رغم أن “القبة الحديدية” الإسرائيلية، بدعم أمريكي مباشر، اعترضت نسبة كبيرة من الهجوم، إلا أن مجرد وصول بعض الصواريخ إلى أهدافها، ووصول طائرات مسيّرة إلى الأجواء المحتلة، كسر صورة “المناعة المطلقة” التي حرصت تل أبيب على ترسيخها.

كما أن رد الفعل الإسرائيلي بقي ضمن “الاحتواء المحدود”، ما يشير إلى إدراك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لمخاطر الانزلاق إلى مواجهة شاملة مع طهران، خاصة في ظل استمرار التوتر على جبهات أخرى مثل غزة وجنوب لبنان.

نحو معادلة ردع جديدة؟

ما بعد الهجوم ليس كما قبله. إيران، برسائلها الصاروخية، أرست معادلة مفادها أن المساس بأمنها أو بقادتها لن يمر دون ثمن، وأن التهديد المباشر في العمق الإسرائيلي بات واردًا ضمن خيارات الرد.

كما أن تنامي قدرات إيران في مجال الصناعات الدفاعية، وخاصة المسيّرات والصواريخ الدقيقة، يمنحها قدرة تكتيكية واستراتيجية لم تكن متاحة سابقًا، ما يجعل أي مغامرة ضدها محفوفة بكلفة باهظة.

ختامًا

الهجوم الإيراني على إسرائيل هو أكثر من مجرد تصعيد عابر، بل يمثل لحظة فاصلة في الصراع المفتوح بين الطرفين. لحظة تعكس بوضوح أن المنطقة تقف على أعتاب مرحلة جديدة من التوازنات، حيث لم تعد “المعركة بين الحروب” حكرًا على طرف واحد، بل باتت ساحة مفتوحة للجميع، تُدار فيها الرسائل بالنار، وتُكتب خرائطها بلغة الصواريخ.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here