الأخلاق روح الثورة الحسينية وسبب خلودها

0
86

كاظم محمد الكعبي

حين نقيس ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بميزان الأخلاق، ندرك سرَّ خلودها. فلم يكن الحسين (عليه السلام) طالبَ سلطانٍ ولا عاشقَ حكمٍ، بل صاحبَ مبدأٍ أخلاقيٍّ صادقٍ من أول خُطاه حتى آخر قطرات دمه الطاهر.

لقد أعلنها منذ البدء إذ قال: «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، فكانت خطوته الأولى دعوةً للإصلاح وإحياء القيم التي شوّهها حكام الجور.

وحين خُيّر بين السيف أو البيعة، قالها مدوّية: «هيهات منا الذلة»، لأن أبا عبد الله عزيزٌ، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ويأبى إلا أن يكون عزيزًا مرفوع الرأس.

ولم يكتفِ برفض الظلم، بل فضح أفعال يزيد بلسان الحق المبين، إذ خاطب الناس قائلاً: «ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله»، فكشف جوهر الفساد الذي خرج لمواجهته.

ويتجلّى سمو خُلقه حتى في ساحات العداء؛ فعند لقائه بجيش العدو على شاطئ الفرات، لم يمنعه جفاف القلوب من فيض إنسانيته، فسقاهم الماء وأسقى خيولهم، امتثالًا لأخلاق أبيه عليٍّ (عليه السلام) القائل: «الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».

ولم يبدأهم بقتالٍ رغم غدرهم، بل ظلَّ يعظهم ويذكّرهم بإنسانيتهم حتى اللحظة الأخيرة، إذ خاطبهم: «إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارًا في دنياكم»، فحتى في ميادين السلاح أراد أن ينتصر للإنسان في داخل خصومه.

وبعد كل ذلك لم يقطع الأمل في هدايتهم، فظل يحذرهم من سوء العاقبة: «أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور».

إن الثورة الحسينية هي بحقٍّ ثورةٌ أخلاقيةٌ بامتياز، لأنها جعلت من القيم سلاحًا ومن المبدأ رايةً خفّاقة، فارتقت من ساحة صراعٍ عابرٍ إلى رسالةٍ إنسانيةٍ خالدةٍ تُلهِم الأحرار في كل زمانٍ ومكان. وهذه هي الوصية الأخلاقية التي أراد الإمام الحسين (عليه السلام) ايصالها للمسلمين من أحبّائه وشيعته، وللأحرار من بعده أن يفهموها ويعوها ويجعلوها منهاجًا يُحتذى به متى ما أرادوا الإصلاح والاستقامة والانتصار للحق.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here