
فاضل الحلو
تحليل قانوني وسياسي لأزمة الثقة والديمقراطية
تُعدّ الانتخابات ركيزة أساسية في البناء الديمقراطي لأي دولة، فهي وسيلة تداول السلطة وتعبير عن إرادة الشعب. وفي العراق، منذ 2005 حتى اليوم، شهدت البلاد محاولات متعددة لترسيخ التجربة الانتخابية، لكنّ هذه المحاولات اصطدمت بعقبات عدة، من أبرزها الجرائم الانتخابية التي أثّرت على نزاهة العملية وأفقدت الشارع الثقة بمخرجاتها.
أولاً: مفهوم الجريمة الانتخابية
الجرائم الانتخابية هي أفعال غير قانونية تُرتكب أثناء أو قبل أو بعد العملية الانتخابية، بهدف تزوير الإرادة الشعبية أو التلاعب بنتائج التصويت أو إفساد شفافية الانتخابات، وتشمل:
-
شراء الأصوات
-
الترهيب والتهديد للناخبين أو المرشحين
-
استخدام المال العام أو موارد الدولة للتأثير السياسي
-
التلاعب في سجلات الناخبين أو العدّ والفرز
-
الترويج الكاذب أو التحريض الطائفي والعرقي
ثانيًا: الإطار القانوني العراقي
نصّ القانون العراقي (مثل قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020) على عقوبات لعدد من الجرائم الانتخابية، ومنها:
-
الحبس والغرامة لمن يشتري الأصوات أو يستخدم موارد الدولة لأغراض دعائية.
-
الإلغاء الجزئي أو الكلي للنتائج في المراكز التي تشهد تلاعبًا.
-
سحب الترشيح من المرشحين المُدانين.
ورغم وجود هذا الإطار القانوني، إلا أن ضعف التطبيق، وتسييس القضاء، ونقص الرقابة أدت إلى انتشار هذه الجرائم دون رادع حقيقي.
ثالثًا: أبرز أشكال الجرائم الانتخابية في العراق
-
شراء الأصوات بالمال أو السلع
-
يتم استغلال الفقر والحاجة، خصوصًا في المناطق الريفية والمهمّشة.
-
تصل “سعر الصوت” في بعض الدورات إلى 50–200 ألف دينار أو سلع غذائية.
-
التزوير الإلكتروني
-
التلاعب بنتائج العدّ والفرز اليدوي والإلكتروني.
-
محاولات اختراق أجهزة التصويت أو التأثير على النتائج من داخل المفوضية.
-
الترهيب المسلّح
-
في بعض المناطق تُمارَس ضغوط من فصائل مسلحة أو جماعات عشائرية.
-
يتعرض الناخبون أو المراقبون لتهديدات تمنعهم من الإدلاء بأصواتهم بحرية.
-
استغلال أجهزة الدولة
-
بعض المرشحين يستخدمون الوزارات أو المحافظات التي يديرونها للتأثير على الموظفين، مثل الضغط للتصويت أو التهديد بالنقل/الفصل.
-
التلاعب في سجل الناخبين
-
تسجيل ناخبين وهميين أو استخدام بطاقات انتخابية مفقودة.
-
عدم تحديث بيانات الموتى أو المهاجرين مما يسمح بالتزوير.
رابعًا: الأسباب الجذرية للجرائم الانتخابية
-
ضعف الثقافة الديمقراطية والوعي السياسي
-
الطائفية السياسية التي تجعل الولاء للطائفة لا للبرنامج الانتخابي
-
غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفقر
-
تضارب صلاحيات مفوضية الانتخابات وتدخل الأحزاب في عملها
-
انعدام ثقة المواطن بالنتائج مما يجعله غير مبالٍ بانتهاك القواعد
خامسًا: الآثار السلبية على النظام الديمقراطي
-
فقدان ثقة المواطن بالعملية الانتخابية
-
إضعاف المشاركة الشعبية في الانتخابات
-
إنتاج برلمان لا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب
-
ترسيخ حكم الأقلية المتنفذة بدل تداول السلطة الحقيقي
-
تشجيع الانقسامات الطائفية والعرقية على حساب المصلحة الوطنية
سادسًا: الحلول والإصلاحات المقترحة
-
تفعيل الرقابة القضائية المستقلة
-
بإنشاء جهاز قضائي خاص بالانتخابات بعيدًا عن التأثير السياسي.
-
تعزيز الشفافية باستخدام التكنولوجيا الحديثة
-
تحسين أجهزة العدّ والفرز وتوثيق كل خطوة إلكترونيًا وبصورة علنية.
-
رفع الوعي الانتخابي للمواطن
-
بحملات توعية إعلامية ومجتمعية لشرح أهمية الصوت النزيه.
-
تجريم استخدام المال السياسي بصرامة
-
وإلزام المرشحين بكشف مصادر التمويل وتدقيق الإنفاق الانتخابي.
-
مراقبة دولية ومحلية مستقلة
-
عبر منظمات غير حكومية ومراقبين دوليين لردع محاولات التزوير.
-
حماية الناخبين والمراقبين
-
بآليات أمنية تمنع الترهيب والتدخل من جهات مسلحة.
خاتمة
الجرائم الانتخابية في العراق لا تُهدّد نزاهة الانتخابات فحسب، بل تُضعف مستقبل الديمقراطية وتعزز الفوضى السياسية.
ولا يمكن بناء دولة مدنية حقيقية دون صناديق اقتراع نزيهة تمثل إرادة حقيقية، لا إرادة السلاح والمال.
إنّ إصلاح النظام الانتخابي هو بوابة الإصلاح السياسي الكامل في العراق.
Post Views: 71